16 janv. 2013

كرامة كتابة الضبط من كرامة موظفيها

نتحدث كثيرا عن الكرامة لكن لم نستطع النفاذ إلى عمقها كثيرا. البعض يربطها بالمال، والبعض الآخر بالأشغال، والبعض الآخر بالسلطة...
يقول البعض أن الاحتقار الذي تتعرض له كتابة الضبط يرجع الى نوعية الأشغال المكلفة بها من طبع، أرشيف، وثائق ومستندات، سخرة، حمل الملفات... لكن هاته الأعمال كلها توجد في إدارات أخرى، ويقوم بها موظفون آخرون بل ويقومون بأكثر منها ولا يفقدون كرامتهم: حمل الأزبال، توليد الحيوانات، جمع رث الحيوانات...
ففقدان الكرامة لا يتأتى من طبيعة العمل وإلا لكانت كرامة هؤلاء ممرغة في الوحل، لكن حامل الأزبال، ومولد الحيوانات وجامع الرث... يقضي يومه سعيدا، يقوم بواجبه، يتقاضى أجرته على عمله... يعاني صعوبة الحياة، يناضل من أجل تحسين وضعيته لكن لا يتنازل عن كرامته، لا يقول للآخرين بأن مهنته مهندس، لا يمد يده للآخرين أو يأخذ منهم رشوة لكي يعيش فوق مستواه: انه يعيش واقعا عنيدا وأزمات متعددة لكن كرامته لا تمس.

في قطاع العدل، تجد البعض يقدم نفسه وكيلا للملك أو نائبا له، تجده مقلدا لمشية مسؤول سلطوي، لغته كلها أوامر...، كل هذا يتم في علاقته بالمواطن البسيط الذي يلج باب المحكمة كأنه ولج باب السجن، ويكون مستعدا للقيام بأي شيء يطلب منه: قف، اجلس، رشوة...
لكن هؤلاء في علاقتهم مع القضاة والمحامين والخبراء أي مع أهل الدار، حيث كل الأسرار معروفة، يتحول إلى كلب وفي ينتظر متى تسقط 5 دراهم من يد قاض أو محام أو خبير... ليلتقطها ويذهب بها بعيدا ليضعها في جيبه مطمئنا، وفي بعض الحالات تكون الخمس دراهم من نصيب شخصين أو ثلاثة فتقوم حرب تستعمل فيها جميع أساليب المكر لنيل الفريسة.
ان هذا التهافت على المال يقتل كرامة الموظف الذي يمارس السخرة الحقيقية للقاضي والمحامي...، يجلب له الشاي والقهوة، يتوسط له في الملفات والرشوة، وقد تنحط قيمته أكثر من ذلك ويطرح نفسه "قوادا"، يتوسط أو تتوسط لهؤلاء للحصول على فتاة جميلة أو موظفة حديثة العهد بالمحكمة قصد جرها الى المستنقع.
من هنا تبدأ الكرامة وهنا تنتهي، فان كان القضاة والمحامون يعتبروننا لا شيء، فليس لان راتبهم أكثر من راتبنا، وليس لان مستواهم الثقافي أكبر من مستوانا...، بل لأن بعضهم تمكن من استعباد البعض منا وممارسة جميع أشكال الحط من الكرامة مقابل دريهمات أو ملايين، فالمبلغ لا يهم مادام حطم أعز ما يملك الفرد أي كرامته.
ان النضال من أجل كرامة كتابة الضبط، هو في جزء منه نضال من أجل وقف إهدار كرامة الموظف في المحاكم، فليس العيب في أكل الخبز الحافي، لكن العيب أكل خبز يحمل دماء كرامة الإنسان المهدورة. 

_2_
بعد استعراض الجانب الذاتي الخاص بالموظف أو ببعضهم إن صح القول، والذي يتجه نحو إهدار كرامته وكرامة الهيئة التي ينتمي إليها وتمريغها في الوحل أثناء اتجاهه نحو مراكمة الأموال أو العيش في مستوى لا تتيحه له إمكانياته المادية الخاصة، سأحاول التطرق في هذا الجزء إلى تأثير المحيط على سلوكات الموظف وكيف يخدم هذا المحيط ويساعد في انتشار الظاهرة بدل القضاء عليها.
إن سلوك الانحراف، الرشوة، الكذب، السرقة، التزوير، خيانة الأمانة... سلوكات موجودة في كل المجتمعات وعبر جميع العصور، إلا أن ما تختلف فيه الأمم والإدارات والمؤسسات هو في توجهها نحو القضاء على هاته الظواهر بطرق مختلفة منها الزجري ومنها التربوي التكويني ومنها التحصين المادي ضد المنزلقات، أو المساهمة في انتشارها وذلك بغض الطرف عن تلك الممارسات أو تشجيعها عبر دعم العناصر الفاسدة وتبويئها مكانة القيادة داخل المجتمع سواء كانت القيادة إدارية مؤسساتية أو قيادة وهمية.
بالرجوع إلى تاريخ وزارة العدل المعروف بعملية التسخير الذي قامت بها الدولة لهذا القطاع لتصفية ملفاتها مع المعارضة السياسية وبالرجوع إلى حجم المحاكمات الصورية وقرون السجن التي تم تفريقها على مناضلي الشعب المغربي بغية الحفاظ إلى بنية تبعية تخدم مصالح أقلية مستفيدة من ثروات البلد برا، بحرا وجوا، سنفهم جزءا كبيرا من واقع القطاع الحالي ومن واقع وممارسات موظفيه.
إن المحاكمات الصورية تفترض ملفا مطبوخا من الداخلية والشرطة القضائية، وقاضيا يتلقى التعليمات ومغرقا كفؤا، وكاتب جلسة مستعدا لتدوين ما يريد القاضي وليس ما يروج في الجلسة.
ما يهمنا في هذا المقال هو كاتب الجلسة باعتباره عضوا فاعلا من هيئة كتابة الضبط، حيث انه وفي غياب نظام أساسي يحدد اختصاصات الموظف، وفي غياب جمعية عمومية خاصة بموظفي كتابة الضبط تقوم بتقسيم المهام والاختصاصات والجلسات بين الموظفين، يصبح كل موظف صالحا لكل مهمة، ويصبح أي موظف مزعج أي يحاول تطبيق القانون والعمل وفق مبادئه وبنزاهة غير صالح لأي شيء أو صالح لمهام لا تؤثر على مسار الدعوى.
وهكذا يتم انتقاء العناصر الفاسدة أو المستعدة لأن تكون كذلك لتدون كل ما يروج في الجلسة عفوا كل ما ينطق به القاضي والذي يكون في كثير من الأحيان مجانبا لما يصرح به الدفاع والمتهم، بل قد يصبح المذنب صاحب حق، وصاحب الحق مذنبا وذلك بجرة قلم.
إن هذا الوضع الذي ساد لعقود طويلة تمكن من تدجين عدد كبير من الموظفين وجعلهم فريسة سهلة أمام كل الإغراءات والتي حولتهم إلى جسد بلا روح، كما أن العناصر الممانعة ظلت تعاني في صمت وتمارس عليها جميع أشكال الحيف والاضطهاد خصوصا في غياب إطار نقابي يدافع عن قضاياهم ومشاكلهم. وكل هذا يتماشى مع المثل الاقتصادي ل Gresham  الذي يقول: « la mauvaise monnaie chasse la bonne » أي أن العملة السيئة هي التي يتم تداولها في السوق ويتم الاحتفاظ بالعملة الجيدة، حيث أصبح الموظف الفاسد هو تلك العملة المتداولة في المحاكم وينتقل من جلسة إلى أخرى ومن ملف إلى آخر، فهو صاحب القاضي، وصديق الرئيس، والحاكم على الموظفين...
هذا الوضع أدى إلى تكريس دونية كاتب الضبط، وهيئة كتابة الضبط التي ينظر إليها بمنظور السخرة وخدمة القاضي وليس القضاء.
لقد تغيرت أمور كثيرة، وتم توظيف أفواج متعددة من خريجي الجامعات والمعاهد التقنية، وتأسيس عمل نقابي بالقطاع...فهل نغير سلوكنا وندفع في اتجاه إرجاع الكرامة المهدورة لكتابة الضبط، أم أن الملتحقين يذوبون شيئا فشيئا في بحر المحاكم، والنقابات تعيد إنتاج ممارسات الفساد السائدة بالقطاع؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire