16 janv. 2013

قراءة في تدبير انتقالات الموظفين بوزارة العدل

يحظى ملف انتقالات الموظفين باهتمام كبير من لدن جميع المتدخلين في العملية الإدارية، ويبقى الموظف موضوعه الأهم ومحوره، فهو الذي يتقدم بطلبه بناء على معطيات متعددة: زواج، طلاق، رطوبة، حرارة، بعد السكن، وسائل النقل، استقرار العائلة، غلاء المعيشة، تنويع المعلومات والمهام، سوء تفاهم مع مسؤول، متابعة الدراسة، مرض...، في حين تبقى الإدارة موجهه بناء على معطيات وترتيبات أخرى: تصريف الأشغال، تأمين حسن العمل، زبونية ومحسوبية، تعليمات...
وقد مرت عملية وتدبير الانتقالات بوزارة العدل بمراحل عدة، عرفت من خلالها العلاقة موظف-إدارة- انتقال، تغيرات حاسمة نرى ضرورة الإشارة إليها قبل طرح تصور والبحث عن مخرج لهذا الملف الشائك.

ما قبل 2004: تميزت هاته المرحلة بتغييب تام للموظف وممثليه في تدبير الانتقالات، واقتصر الأمر على عملية بسيطة: الموظف يقدم طلب الانتقال والإدارة تجيب بالإيجاب أو بالسلب. وقد تعدى الأمر هاته العلاقة البسيطة الى طغيان تام للادراة بعدما أصبح الموظف طالب الانتقال يخشى من عواقب وتبعات تقديم الطلب سواء من المسؤول المباشر أو من الإدارة المركزية، وهنا نستحضر بكل أسف تحذير مدير الموارد البشرية بوزارة العدل الموظفات باتخاذ إجراءات تأديبية في حقهن في حالة توجيه طلبات الانتقال والالتحاق بالأزواج، واعتبر في رده على طلبات بعض الموظفات بعد رفض طلبهن "ان ذلك يعتبر خروجا عن الضوابط الإدارية التي تفرض الانضباط" محذرا إياهن من توجيه طلبات مماثلة في الموضوع "تحت طائلة اتخاذ إجراءات تأديبية في حقهن".
إن هاته المرحلة عرفت ما يمكن تسميته عمليات تنقيل للموظفين المغضوب عليهم أكثر منها عمليات انتقال، هذا في الوقت الذي لا يتطلب انتقال بعض الموظفين المحظوظين والمقربين إلا مسار المراسلة/الفاكس او المكالمة الهاتفية.
 2004_2006: تميزت المرحلة ببداية ترسيخ العمل النقابي بالقطاع، والاتفاق مع النقابة الوطنية للعدل على إحداث لجنة مركزية للبث في طلبات الانتقال بحضور الممثلين النقابيين. وهكذا انتقلت العلاقة من تجبر كلي للإدارة إلى إشراك للفاعلين النقابيين في عملية الانتقالات، وذلك باستحضار طرفي المعادلة: الإدارة والموظف.
إلا أنه لاعتبارات سياسية، لم تدم هاته المرحلة طويلا، لتأخذ عمليات الانتقالات منحى آخر سمي لاحقا بمرحلة الريع النقابي.
2006 _2011: مرحلة تميزت بوجود رغبة موحدة في ضرب العمل النقابي الذي أسسته النقابة الوطنية للعدل بالقطاع، واستعملت خلالها الانتقالات كوسيلة فعالة لتطوير منتوج نقابي عبر إغراء الموظفين بالانتقال، بل ومنحهم الوجهة المختارة، ب أو بدون سبب وجيه وخارج دورات الانتقالات.
وهكذا شهدت المرحلة أكبر عملية إفراغ لبعض المحاكم وملء للأخرى، وذلك مقابل انتماء نقابي إلى نقابة منضوية تحت مركزية هي بدورها منضوية تحت لواء حزب الوزير. ومحكمة الحسيمة والناظور التي تجمع لها المساهمات الآن على شكل موظفين لدليل قاطع.
كما عرفت المرحلة إشراكا لمنتوج ريعي آخر لا علاقة لأهدافه بالعملية.
ونظرا للدور الفعال الذي أصبحت تلعبه الانتقالات في عملية التدجين والاستقطاب النقابي، فقد أحكمت الوزارة الطوق على كل معارض لسياستها، وهكذا تم إقصاء النقابة الوطنية للعدل من لجان الانتقالات بعد رفضها التوقيع على ما سمي زورا وبهتانا النظام الأساسي لموظفي هيئة كتابة الضبط، وقد كان هذا الإقصاء مدروسا ومخططا له وواعيا لأهدافه حيث قيل لنا آنذاك وبالحرف بعد رفضنا التوقيع وإصرارنا على ذلك رغم كل الإغراءات والإشارات: "ما تنساوش، راه الانتقالات جايين"،
وكاستمرار وتكريس فضيع لهذا المسار، وفي عز معركتنا النضالية ببوعرفة التي دامت زهاء الشهرين، اشترط الريع النقابي بالقطاع على بعض الموظفين تأسيس فرع لنقابتهم ببوعرفة لضرب الوحدة النقابية ولحمتهم، لقبول انتقالهم إلى مدن أخرى.
 2012: هبت رياح التغيير على جميع مناطق العالم، وكان لا بد لهاته الرياح أن تصل الى قطاع العدل. فتم لأول مرة فرض حضور جميع التمثيليات النقابية على طاولة واحدة. لكن منطق الريع النقابي اتخذ وجهة أخرى ويتم استخدام حق الموظف في الانتقال لكسب مزيد من القواعد من طرف النقابات التي تقوم بشبه نقل مباشر لوقائع لجنة الانتقالات.
فالريع الجديد يحاول طرح نفسه كصاحب الفضل في وضع معايير للانتقالات، كما يحاول ضرب الريع القديم في معاقله وأساليبه.
إلا انه وان كان في الشكل يبدو أن الريع الجديد حقق نزاهة في اللجنة وفي الوزارة، فانه في الجوهر يعترف بوجود فساد واستغلال لحق الموظف في وزارة يرأسها وزير له ومن حزبه.
كما أن سيادة منطق الاستقطاب عن طريق الانتقالات جعل من البعض مدافعا عن انتقال موظفين بدون سبب مقنع، بل أكثر من ذلك نحو وجهات للراحة أكثر منها للعمل، وأصبح من المؤسف أن تجد في أسباب طلب الانتقال البحث عن قلة العمل، أو الراحة، مما أدخل العملية في رمتها في متاهات وتناقضات.
الانتقالات-المتاهات: تتجلى أساسا في:
_ عدم قدرة بعض النقابات على ضبط قواعدها وهي التي ربتها بطريقة انتهازية تعتمد على تلبية رغباتها حتى وان حادت عن المصلحة، وأصبح الموظف يخير النقابة بين الانتقال الإداري أو تغيير النقابة.
_ معاناة الموظفين المتزايدة جراء عمليات الإفراغ التي تتعرض لها محاكمهم دون البحث عن بديل، فأصبحت أشغال كان يقوم بها 50 موظف تصرف ب 30 أو 20 موظف،
_ الإدارة عاجزة عن تحديد دراسة كافية ومفصلة عن المحاكم وعن وضعيتها والخصاص الذي تعاني منه، وتلعب خصوصية العمل دورا مهما في هذا الغياب مقارنة بقطاعات أخرى كالتعليم الذي يعطي صورة واضحة عن الخصاص والفائض،
_ مجموعة من الموظفين مختبئون في مصالح للراحة وبأعداد كبيرة جدا (بعض النيابات العامة للمحاكم التجارية)،  والبعض الآخر مزدحم وبدون عمل في مصالح أخرى (بعض المديريات الفرعية الإقليمية، بعض المحاكم التجارية والاستئناف التجارية، الإدارية واستئنافيتها...)،
_ الإدارة وبدل معالجة مشاكل الخصاص في بعض المحاكم، تقوم بتعيينات ارضائية في محاكم الفائض وتترك محاكم الخصاص، مما يزيد من تعميق المشكل،
في ضرورة البحث عن حلول: إن الوضعية التي يعانيها موظفونا وزملاؤنا بالمحاكم جراء قلة العدد وكثرة القضايا، والتسيب الذي تعرفه محاكم أخرى جراء كثرة العدد وقلة القضايا أو انعدامها، لا يمكن أن يرضي أي موظف أو نقابة تحمل في أحشائها قطرة من الوطنية والغيرة على الموظف والوطن والمواطن.
ولهذا يجب أن نمتلك الجرأة ونقول جميعا: أوقفوا هذا العبث.
وفي نظري، فمشكل الانتقال بوزارة العدل يمكن مواجهته باجراءات محددة، وبرؤية شاملة للمشاكل وللقطاع.
_ فالموظف الذي ولد ودرس بالرباط وتم تعيينه بالحسيمة او الناظور أو الراشدية لا بد أن يعود ادراجه الى الرباط عبر طلبات قد تدوم حياته، ولهذا وجب الإعلان عن مباريات للتوظيف جهوية مع تحديد مكان العمل على غرار قطاع الصحة او التعليم: "تعلن وزارة عن مبارة لتوظيف 5 محررين للعمل بالمحكمة الابتدائية ب...."، ويحدد معها أجل لإمكانية طلب الانتقال والشروط المطلوبة مع استثناءات (التحاق بالزوج)، وهو معمول به في قطاعات أخرى،
  تخصيص التعيينات الحالية والمقبلة للمحاكم المنكوبة، فلا يعقل أن تعترف الإدارة بوجود خصاص حاد، وفائض حاد، وتقوم بالتعيينات في مناطق الفائض لإرضاء البعض، وكشكل من أشكال استمرار الزبونية والمحسوبية.
_ توصيف المهام، ووضع دليل المحاكم وشروط الانتقال من محكمة الى أخرى بناء على ترقي أو تكوين، فللأسف أصبحت المحاكم توحي بكل شيء ولا شيء في الوقت نفسه (موظف في مركز القاضي المقيم، ثم بالابتدائية ثم الادارية ثم التجارية، والاستئناف...دون حاجز معرفي أو دليلي)، فالمحاكم الابتدائية والاستئناف ووو، يجب تحديد من يتوظف فيها، والعمل الذي يقوم به... ويتحدد بناء عليه الشروط الواجب توفرها في محكمة مغايرة او في المديرية الفرعية الاقليمية.
 _ استحضار العنصر البشري في بعض القرارات المتهورة والفجائية للإدارة: خلق محكمة، حذف المحاكم، توحيد المحاكم، تفريق المحاكم، نقل المحاكم من منطقة إلى منطقة أخرى..، وتوفير كل شروط المواكبة للموظف من النفسية إلى الاجتماعية إلى المساعدة المادية.
_ البحث في أسباب رفض الموظفين لبعض المناطق ومعالجة الممكن منها: غلاء العقار، غلاء الكراء...، عبر بناء مركبات سكنية في متناول الموظف.
_ تقريب الإدارة من الموظف على غرار تقريبها من المواطن، حيث هناك تجمعات سكنية للموظفين، وإدارة معزولة في منطقة أخرى.
_ وقف الإدارة لكل مظاهر الريع النقابي، وتحمل مسؤوليتها في الإسراع بتعليق لوائح طالبي الانتقال ولوائح المنتقلين حتى لا تتحول اللوائح إلى وسيلة للمتاجرة النقابية كما كانت عليه سابقا.
_ تحمل النقابات لمسؤولياتها في الدفاع عن الموظف ككل وليس عن بعض الانتهازيين والوصوليين والذين لا يروقهم سوى الدخول وقت ما شاؤوا للإدارة والخروج منها وقت ما شاؤوا، وطلب الانتقال بمجرد رفض القيام بواجب أو بعمل.

إن الجرأة في طرح المشكل خطوة أولى لحله، فجل النقابات تعترف بوجود خلل ما لكن حرصها على عدم إثارة كل ما من شأنه أن يغضب البعض، يجعلها تبقيه في طي الغير مناقش.
فلتكن هاته إذن بداية لتأسيس تعاقد بين النقابات والموظفين والإدارة وفتح نقاش كبير للتغلب على المشكل الكبير وذلك أولا وأخيرا لصالح الموظف الذي يكابد المعاناة في محاكم لا يتوفر فيها الحد الأدنى من الإمكانيات ومن الموظفين.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire