5 févr. 2013

محمد بوطاهر: قراءة أولية في كتاب « الشيخ أبو يعقوب يوسف الأمغاري، دفين أسول » لصاحبه اسماعـــين يعقوبي.


القراءة هي فعل استكشاف، إنها غــــواية ورحلة داخلية خاصة يسلكها المتلقي بغية استكناه مجاهيــــل نفسية الكاتب ومحيــــطه. إنها التجلي الأول الذي نستطيع من خلاله أن نتقاسم أفكارنا ومشاعرنا مع المبدع في مختلف مجالات الإبداع الإنسانية.

صحيـــح أني اطلعت على كتاب " الشيخ أبو يعقوب الامغاري...." ، وأنا أقوًم بعض تصويباته بعجلٍ أواسط أغسطس الماضي بألمو، لكن فعل القراءة التصحيحية تختلف عمليا عن فعل القراءة الاستكشافية الأولية التي هي الطريق الأساس إلى عمليات أخرى كالنقد والتحليل التفكيكي والتجريح وغيرها. وإذ كنت في المرة الأولى تلك منصب التفكير على ما قلناه من تصويبات، فإننا وبمجرد أن ظفرت بنسخة مهداة إلي من طرف الكاتب الرفيق اسماعين في مستهل الأسبوع الجاري ، حاولت أن أعيد قراءة الكتاب الوليــــــــد، وبنهم شديد لغايات جمة ، أبرزها تبسيط مضامين الكتاب وتذليـــــل عناصره العامة لغاية تركيز خلاصاته، ثم لتقديم فحواه عن طريق الفعل القرائي البناء ،حتى يسهل ابتلاعه معرفيا واستلهامه بشكل أوضح مما هو واضح.

وإذا حاولنا
منهجيا أن نبين أننا من خلال هذه الخطوط لا نروم نقد وتمحيص ما يقدمه الكاتب من معرفة عامة وخاصة تخص "شيخ" أسول ، ولأن فعل النقد نفسه يحتاج إلى أن يتسلح القارئ بمعرفة أكبر أو موازية لمعرفة المبدع الكاتب بخصوص الموضوع الواحد، كان لزاما على كل غيور على الإبداع المحلي أن يتأبط بكثير من الحماس حتى يستطيع تشجيع مثل هذه المبادرات الباكورة، التي قد تمنح الكثير للمعرفة الإنسانية ككل، بما هي أخراج الاغمض إلى الاوضح ، أو تدوين ما هو شفهي منسي وتحقيقه على مستوى الكتابة، وهو أمر جليل يستحق كل تقدير.

يقع كتاب "الشيخ أبو يعقوب..."في 142 ورقة، بحجم متوسط ، تتوسط واجهته صورة لقبر عليها أسمال تزينه وتطبعه بنوع من الوقار وهبة الموت والزوال الأبدي. أما عنوان الكتاب فهو مدون بلون أصفر عريض، يتربع وسط جسم الصورة نفسها ومذيل بعنوان فرعي "دفين أسول" لدلالة التوضيح والبيان ورفع اللبس كذلك. وقد اختار الكاتب كتابته باللونين الأصفر والأسود لما يرمزان إليه من معاني الذبول والمرض ، ثم الموت والغموض والعدم بالنسبة للون الأسود تحديدا (وسيأتي تفصيل كل هذه الأشياء أثناء مقاربتنا السميائية للغلاف والكتاب ككل). وبأسفل الواجهة هناك إشارة من طرف الكاتب على أن كتابه هذا هو جزء أول في طبعته الأولى ، بمعنى أن عطاءه سينمو بإذن الله، حتى يفيدنا استقبالا بأجزاء أخرى جديدة.

على ظهر الكتاب ، تسطع صورة الكاتب واسمه ومعطى يتيــــما ومحتشما عن محل إقامته "قصر اكوراي أسول" وكأنه ينبي إلى أن هويته الشخصية تتجلى في متانة عمله هذا. وأسفل ذلك مباشرة نلفي نصا تنويريا يتحدث فيه عن مميزات منطقة بويعقوب في أعالي غريس وما يطبعها من كثرة المعمار الديني والطقوسي، وانتشار الفعل التعبدي لمزارات مختلفة ، الذي يشكل –كما يقول الكاتب – سمة مميزة لهوية أهل المنطقة، ثم بسط كذلك في هذه الإضاءة الوهاجة الكلام عن نسيج المزارات والأضرحة في منطقة بويعقوب، وأكد في الأخير أن لأبي يعقوب مكانة خاصة وشهرة فاقت الأوطان.

داخل دفتي كتاب "الشيخ أبو يعقوب....."، نجد تمهيدا وخمسة محاور كبرى ، وداخل كل محور هناك مجموعة من النقط الصغرى أو ما قد نسميه فصولا، وقد رتبها الكاتب منهجيا على النحو التالي :

التمهيـــــــــــد: استهل الكاتب فيه الكلام عن مميزات منطقة بويعقوب في أعالي غريس وانتشار طقوس التبرك والاستشفاء في المزارات المختلفة التي لم توجد معطيات معرفية /علمية مضبوطة عنها .لكن مكانة شيخ زاوية أسول وشهرته وما علق بالشيخ أبي يعقوب يوسف الامغاري من أسئلة وصراع كبيرين بين أهالي المنطقة ، واعتماد الجميع على الروايات الشفهية وبعض الآثار القليلة التي صمدت في وجه الزمن والطبيعة ، هي ما حفز الكاتب على تعميق البحث في هذا الاتجاه وهو ما نص عليه في آخر التمهيد بقوله:" إن الهدف من الكتاب هو محاولة استكشاف حياة الشيخ أبي يعقوب يوسف عبر استقراء وتنقيح الروايات الشفوية" ص: 8 .

إن الكاتب اسماعين يعقوبي من خلال هذا الكلام يشرع لمسار بحث طويل وممتع ، ينبض بالخصب والبحث عن أجوبة عديدة ، وهو أمر استشعره بنفسه وحدد بعض خطوطه المستقبلية في منهج محاولاته القادمة .ص8.

1- مظاهر الاحتفال بموسم أبي يعقوب يوسف :

بسط فيه الكاتب الكلام عن مختلف التجليات التي تطبع موسم الشيخ بمنطقة أسول، والذي تنطلق فعالياته أواسط شهر شعبان في ظروف صاخبة تبدأ بغسل ستائر ضريح الشيخ وإعداد أطباق خاصة داخل حرم زاويته والاعتناء بالوافدين لزيارته. وقد أورد الكاتب بعض الأهازيج الغنائية التي تقال في هذا الصدد (ص16) ، وكذا ما يحف تلك المظاهر من طقوس أقرب إلى الدجل والشعوذة منها إلى التعبد الديني ( منع الأعراس والسفر بعد بزوغ هلال شهر شعبان، وشرب ماء غسيل الستائر المعكر، رش التراب على رؤوس الزوار، تقديم القرابين.... إلى غيرها مما استعرضه الكاتب بخصوص هذا الاحتفال الكبير (ص: 18/19/20).

وختم الكاتب هذا الفصل بطرحه للسؤال الكبير الذي حرك داخله غرائز البحث في الموضوع ككل، وهو: من يكون الشيخ أبو يعقوب هذا الذي كثر عنه الحديث وملأ أفواه الناس جمعاء؟

2- معيقات البحث في تاريخ أبي يعقوب يوسف الامغاري ونسبه:

داخل هذا الفصل تحديدا ، حاول الكاتب أن يبرز أهم معيقات تنقيبه عن المعارف الخاصة بابي يوسف يعقوب ، وهي بالإضافة إلى وجود اختلاف صارخ بين النسابين حول الشرفاء عموما واليعقوبيين /الآمغاريين على وجه الخصوص(ص:24)، وتعرض بعض الكتابات الخاصة بذلك للتلف والإتلاف، وكذا ضبابية تاريخ الادارسة واختلاف المؤرخين بشأنه، بالإضافة إلى ذلك، يورد الكاتب هذه الأسباب (العراقيل) التي واجهت قلمه أثناء عملية التنقيب المعرفي ومنها:

- غياب مكتبة خاصة بالزاوية.

- تشابه الأسماء وتعدد اسم أبي يعقوب يوسف

- اختلاف نسب الشرفاء اليعقوبيين/الامغاريين

- غموض التأريخ الجيد لحقبة الادارسة

- انتشار فكر أو ظاهرة التشرف في تلك الحقبة.

3 – أبو يعقوب يوسف حسب الرواية الشفوية:

في هذا الباب الذي قد نعتبره زبدة البحث وعموده الفقري، تحدث الكاتب عن أمر جوهري بخصوص تحديد هوية الشيخ أبي يعقوب يوسف، وهو اعتماد الجميع تقريبا على الرواية الشفهية السائدة لمعرفة من يكون الشيخ هذا. وقد استطاع من خلال جهد جبار أن يستقي مجموعة من الروايات الشفهية المتناقلة في المنطقة وخارجها والتي تحيط شخصية الشيخ بهالة من الفكر الميثولوجي (ص: 42، 43، 44)، وتفضي في الأخير إلى إثبات أن أبا يعقوب يوسف توفي أواخر القرن العاشر للهجرة ، وخلف وراءه خزانة زاخرة بالكتب الفقهية القيمة .لكنها تعرضت للخراب من قبل المستعمر بعد دخوله إلى المنطقة (ص:48)، وهي الرواية المشهورة في المنطقة.

ويبقى الأمر الجدير بالتثمين وايلاء أوسع انتباه في هذا الباب، هو تمكن الكاتب من الوصول – بعد بحث مضن كما صرح به في الصفحة 49 – من العثور على أوراق ووثائق تتعلق بأبي يعقوب يوسف ، وتحديدا على شجرة بأوراق تحمل طابع رشيد مولاي الراوي نقيب الشرفاء الادارسة، وأخرى تخص مجلة الشرفاء البويعقوبيين وتتحدث عن نسب أبي يعقوب يوسف وأبنائه وحفدته(ص:49). وكلها دلائل تؤكد الرواية الشفهية التي تتناقلها الساكنة جيلا بعد جيل، كما أن هذه الوثائق والأوراق تحوي داخلها كلاما حول كرامات وخوارق الشيخ أبي يعقوب يوسف .

- أسس ومنطلقات الرواية الشفوية،

في هذا الفصل حاول الكاتب أن يبرز الثوابت الأساسية التي تقوم عليها الرواية الشفهية، وما هي حدود المتخيل منها والواقعي ، أو ما سماه تحديدا كشف خليط الواقع والأسطورة والفصل بينهما ، ص:(59)، واستطاع فعلا أن يكشف عن مفارقات وتناقضات عجيبة في بعض الروايات المنقولة والموضوعة على أبي يعقوب يوسف دفين أسول ، والذي هو من شيوخ القرن العاشر كما أسلف الذكر .

أما في الفصل الرابع، فقد خلص الكاتب إلى تسليط الضوء على بعض التعارض الحاصل في روايات متداولة كعدم وجود بلدة باسم أسول، والتي كانت تسمى مجران قديما، ثم حديث الشيخ باللغة الامازيغية بدل العربية ،ص:71. يضاف إلى هذا التناقض - يقول الكاتب – ما يقال إن حذوة فرس لا زالت آثارها عالقة في منطقة باتجاه كلميمة، وكلها جوانب أسطورية تزكي هامش التناقض في روايات منتحلة أو مفتراة على نسب الشيخ.

- أبو يعقوب يوسف من خلال بعض الكتب والمصادر التاريخية

(يتبع في حصة قادمة)

محمد بوطاهر، تنغير في 5/2/2013

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire