ان اغلب التعاريف تركز على ابرز
الدلالات التي استعمل بها مفهوم المجتمع المدني دون الاهتمام بمساءلتها, أو ربطها
وتفسيرها بسياقاتها التاريخية و الاجتماعية. كما أنها تحاول تناقش الموضوع من
زاوية واحدة و تقوم بإغفال الجوانب الأخرى.
و يمكن تقسيم التعاريف التي تطرقت لمفهوم المجتمع المدني إلى ثلاثة أصناف: تعاريف
تركز على وظائف المجتمع المدني و صنف ثان يركز على أهدافه وأخيرا تعاريف تتعرض للمجتمع
المدني من زاوية المؤسسات والمنظمات المكونة له.
و إذا كان القاسم المشترك بين
جميع هذه التعاريف هو جهلها أو تجاهلها لجانب القيم و الأخلاق و التربية التي يجب
ان تسود هذا المجتمع لان الأساسي بالنسبة لمفهوم المجتمع المدني ليس فقط جانبه
المؤسساتي بل بالخصوص القيم والأخلاقيات والثقافة المدنية التي يساهم في نشرها
داخل الجسم الاجتماعي بحيث تتحول إلى معايير وأسس تحكم السلوكيات و توجهها, فان
لكل منها ( أي التعاريف) نقائص سنناقشها في هذا العنصر من الكتاب.
1- حدود تعاريف المجتمع المدني بناءا على الوظائف :
ان تعريف المجتمع المدني على أساس الوظائف التي
يقوم بها يطرح إشكالية تتمثل في إمكانية اعتبار بعض المؤسسات التي تقوم بوظائف معينة لصاح الأفراد
بعيدا عن تدخل الدولة جزءا من المجتمع المدني أم هناك تعارض بينهما, و أهم هذه
المؤسسات تتجسد فيما يمكن تسميته بالمجتمع الأهلي أو مؤسسات الأمة التي تتكون
عموما من الطرق الصوفية, التنظيمات الحرفية, الأسواق, الوقف, الزوايا, القبيلة,
العشيرة, الطائفة, المذهب, الإقليم, العائلة... لان قوامها سلطوي وتغلب عليها
الروابط الدينية, العصبية و رابطة الدم حيث تتجه إلى إعادة إنتاج العلاقة
السلطوية. فضلا عن انه تضامن ينطوي على تضاد مادي صارخ في شروط المعاش, و تدبير
الثروة و السلطة: حيث التأليف المستحيل بين اليسر والعسر, بين البذخ و الفاقة, بين
الوجاهة و الوضاعة, السلطة و الخضوع, التملك و الحرمان..., و هي في مفارقتها عناصر تكوين التضامن الأهلي
العصبوي.