3 févr. 2013

محاولة لشرح الصراع بين النقابة الديمقراطية للعدل والجامعة الوطنية لقطاع العدل



-1-

إن المتتبع لوضعية قطاع العدل والساحة السياسية والنقابية عموما، سيلاحظ بشكل واضح الحرب الضروس الدائرة رحاها بين الاتحاد الاشتراكي ونقاباته وصحافته من جهة، والعدالة والتنمية ونقاباته وصحافته من جهة أخرى. هاته الحرب التي تظهر جليا وبشكل واضح ومكشوف في قطاع العدل. فهل هاته الحرب حرب حقيقية أم وهمية، وما هي خلفياتها ونتائجها؟
قبل استعراض أوجه الصراع، لا بد أولا من بسط أوجه التفاهم أو التوافق التي تربط الطرفين والتي تشكل في نفس الوقت بؤرة الاختلاف.
-        حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قاد ما سمي بتجربة التناوب لتأمين انتقال السلطة من الراحل الحسن الثاني إلى ابنه محمد السادس، وتجنيب المغرب السكتة القلبية، وحزب العدالة والتنمية قاد الحكومة المنبثقة عن الربيع العربي لتجنيب المغرب وضع ومصير الحكام العرب بكل من تونس، مصر، اليمن، سوريا،
-        حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العدالة والتنمية صوتا على الدستور الذي صيغ بطريقة وبمضمون لا يلبي طموحات الشعب المغربي ولا يساير حركة الشارع وديناميته التي أطلقها الربيع العربي،

-        حزب العدالة والتنمية وحزب الاتحاد الاشتراكي لم ينخرطا في حركة 20 فبراير الداعية لإسقاط الفساد والمفسدين،
-        القاعدة الاجتماعية لحزب العدالة والتنمية وحزب الاتحاد الاشتراكي هي نفسها وهي مكونة من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة،
-        حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العدالة والتنمية من اشد خصوم الحزب الوافد، حزب الأصالة والمعاصرة، في مرحلة معينة،
-        اليوسفي حين قيادته لحكومة التناوب، كان يشتكي من جيوب المقاومة، وابن كيران في قيادته للحكومة الحالية يشتكي من التماسيح والعفاريت،
.....
إذا كانت هاته هي أهم نقاط الالتقاء بين العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي، والتي تذهب كلها إلى ضرورة وجود تفاهم كبير وتناغم المواقف السياسية في علاقة الطرفين بالدولة أو النظام السياسي القائم بالمغرب، إلا أنها بالعكس تنتج العداء والنفور أكثر مما تنتج العمل المشترك والتوافق. وقد يجد البعض في المرجعية المحافظة أو الرجعية للعدالة والتنمية و"الاشتراكية" الحداثية للاتحاد الاشتراكي سببا كافيا لهاته الوضعية.
إلا أنه بالرجوع قليلا إلى التاريخ وعلى الأخص إحدى مقولات الراحل الحسن الثاني عندما اشتد عليه خناق الاتحاديين فتوجه إليهم بالقول أنهم يفوتون الفرص على أنفسهم، وبعد ذلك حينما اشتد حديثهم عن الفساد والرشوة توجه إليهم مرة أخرى وأخبرهم بأنهم من يمسك بأغلب الإدارات والجماعات التي تتهم بالرشوة.
-2-
انطلاقا من المعطى الأساسي للحزبين والمتمثل في استبعاد أي تغيير جذري داخل بنية النظام، وبالنظر إلى قاعدتهما الاجتماعية المكونة من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، والمتميزة أساسا بالتذبذب وفق مصالحها، وبالنظر إلى أسبقية الاتحاد الاشتراكي إلى دواليب وإدارات الدولة التي أصبحت العديد منها تحت رئاستهم مع ما يعنيه ذلك من منافع اقتصادية اجتماعية واضحة مضافا إليها وضعية الريع التي أصبحت معطى إضافيا بفعل تداخل فئات من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة مع الفئات الكمبرادورية المرتبطة أساسا بالرأسمال الأجنبي وبالريع الاقتصادي بمختلف أشكاله وأصنافه.
ومع فعل التحكم الذي يعرفه الاقتصاد المغربي المعتمد على أساسا على الريع وعلى موارد لا دخل ولا علاقة للحكومة بها لا من قريب ولا من بعيد، وكذا انسداد الأفق السياسي لها بفعل الدور الذي أريد للأحزاب أن تلعبه في المغرب وهو تسيير الشأن العام فقط وليس الوصول إلى الحكم...
كل هذا يجعل من حزبي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي حزبان متحاربان للحصول على نفس الوضعيات المتاحة مع اختلاف شكلي، فالاتحاد الاشتراكي يتصارع في وضع المستفيد من الامتيازات والمناصب والفاقد للحكومة، بينما العدالة والتنمية يتصارع من وضع الراغب في احتلال المناصب مع وضعه المسير للحكومة.
إن هذا الصراع سيتخذ أشكالا مختلفة، ويمارس في مؤسسات متعددة، من المدرسة إلى الجماعة، من البرلمان إلى المستشارين، من المؤسسات العمومية إلى الشبه عمومية إلى الخاصة، من النقابات إلى الجمعيات وفي مختلف القطاعات.
-3-
وقد تم الاشتغال في هذا المقال على قطاع العدل لاعتبارات أهمها:
-        ضراوة الحرب الدائرة بقطاع العدل،
-        توفر العديد من المعطيات بخصوص القطاع والحرب الدائرة فيه،
-        جنينية العمل النقابي بالقطاع،
-        تدني مستوى الوعي السياسي والنقابي بالقطاع، الشيء الذي يجعل الانتقال من نقابة إلى أخرى لا يحتاج مراجعات فكرية أو قراءة نقدية لمسار معين،
-        ترأس القطاع من طرف وزير ينتمي إلى العدالة والتنمية خلفا لوزيرين اتحاديين على رأس القطاع، بعد فترة انتقالية قضاها الراحل محمد الطيب الناصري،

ان قطاع العدل تتوفر فيه كل المواصفات والشروط الكاملة لعملية تعويض فئة بفئة أخرى، فئة منتمية إلى الاتحاد الاشتراكي (رغم تبجح البعض بأن الاتحاد أقلية وان التنظيم مفتوح أمام الجميع ويتم الاستدلال بوجود العدل والاحسان والنهج الديمقراطي والحركة الشعبية في الوقت الذي يعتبر فيه وجود البعض وجود شخص، والتنظيم كله يصب في صالح المركزية الفدرالية التي بدورها تصب في حزب الاتحاد الاشتراكي)، وفئة منتمية إلى حزب العدالة والتنمية.
وهكذا وبدل صياغة برنامج نضالي والدفاع عنه، أصبح الشغل الشاغل لأعضاء ونقابة العدالة والتنمية هو ن د ع وأعضاؤها ومسؤولوها، كما أنهم وأمام استحالة اختراق الودادية عمدوا إلى تأسيس ودادية موازية ومنافسة، ليس الغرض منها الرقي بالوضع الاجتماعي والمهني للموظفين، وإنما مزاحمة ودادية ن د ع في المنحة السنوية التي تتوصل بها من المؤسسة المحمدية للإعمال الاجتماعية.
ولمعرفتها المسبقة بمخطط العدالة والتنمية، شنت النقابة الاتحادية حربا استباقية بدعوى دعم الوزير لنقابة حزبه، هاته الحرب التي وضعت أوزارها مؤقتا بمنطق لا خاسر ولا رابح.
ولكون الصراع يومي، ونظرا للاندفاع الذي أبانت عنه نقابة العدالة والتنمية، خرجت نقابة الاتحاد من تقوقعها وأعلنت حربا أخرى اتخذت أشكالا متنوعة، واعتمدت أساليب مختلفة وحاصرت الوزير مؤقتا. هذا الأخير الذي وجد في سوء تسيير بعض المعارك نقطة للهجوم على ن د ع، بل انه أعلن الضربة في الاتجاه الذي سيجعل شهية إتباع نقابة العدالة والتنمية تتفتح كثيرا وتمارس ضغطا كبيرا، إي بإقدامه على إعفاء نائب الكاتب الوطني ل ن د ع من المسؤولية والذي يحمل عدة رسائل: الأولى قدرته على حرمان النقابة من كل المكتسبات والريع الذي حققته عبر تاريخ وزرائها في القطاع، والثانية رسالة إلى كل المسؤولين الذي عينوا في ظروف يعرفها الجميع بإمكانية فتح تلك الجبهة وبأنه اختار البدء بالحلقة الصعبة للتدليل على ذلك، والثالثة طمأنة الأتباع على أن إمكانية الترقي الحزبي النفعي مفتوحة أمام الجميع ولا تنحصر على الوزراء فقط.
في ظل هاته الحرب العاصفة التي تدور رحاها بالقطاع وبواسطة موظفين يتجندون للدفاع عن معارك لا يعرفون حجمها الحقيقي وماهيتها، تبقى الرهانات مختلفة: فال ن د ع أو البعض منهم يراهنون على تغيير الوزير أو اعفائه مستندين على ما قيل أنه رفض ملكي في البداية لتعيين الرميد كوزير، بينما البعض الأخر يعي تكلفة المعركة ويحاول الخروج بما يحفظ ماء الوجه من هاته المعركة، بينما أتباع الرميد وحزبه يعارضون أي شيء يحفظ ماء وجه ن د ع اتجاه قواعدها ويعتبرونها فرصة مواتية للقضاء عليها، ومنهم من يستحضر كل الاحتمالات بما فيها الاسوأ وهو العودة القوية إلى النضال وتوقيف المحاكم في حال ذهاب الوزير المصباحي.
وبين كل هذا وذاك، وفي ظل هاته الحرب الضروس، يظل الملف المطلبي للشغيلة العدلية تائها في حسابات سياسية مصلحية تستهدف تحقيق مواقع متقدمة في القطاع لهذا الطرف أو ذاك.  

1 commentaire:

  1. مقال متميز لامس بعض ما يعيشه القطاع من صراع و تجاذبات على خلفية سياسية-نفعية ، الا انه كان عليك اخي اسماعين ان تشير الى المؤامرة التي حيكت ضد النقابة الوطنية للعدل في مرحلة سابقة و الى الايادي الخفية التي شاركت في محاصرة مناضليها و محاولة القضاء على الوجود الكنفدرالي بالقطاعى حتى يخلو لهم الجو للعبث بالقطاع و تدبيره وفق اهوائهم و ليتمكنوا من تمرير مخططاتهم دونما عناء و بالتلي خلق عمل نقبي تابع يتماهى و استراتيجيتهم.

    RépondreSupprimer