22 oct. 2017

النقاش المغلوط حول منصب الكاتب العام للمحكمة

يدور نقاش ساخن حول منصب الكاتب العام وأحقية هذا المنصب للجسم القضائي أو للسلطة التنفيذية عبر موظفي وزارة العدل.
وما يسجل في النقاش هو أنه يتم التعامل معه بمنطق فئوي أو بصراع بين سلطة تنفيذية وسلطة قضائية يدعي كل طرف أفضلية احتفاظه واعتلائه للمنصب وفق مبررات  هي في غالب الأحيان تنطلق من نظرة أحادية الجانب ويمكن أن تتغير وفق تغير موقع صاحبها. فيكفي أن تكون قاضيا حتى تدافع عن الكاتب العام القاضي ويكفي أن تكون موظفا بكتابة الضبط حتى تدافع عن الكاتب العام الموظف بوزارة العدل، ولو تغير الوضع واصبح القاضي كاتبا للضبط لعبر عن وجهة نظر مغايرة والعكس بالعكس.
ان منصب الكاتب العام هو أولا وأخيرا نقاش مجتمعي يسمو فوق القاضي وكاتب الضبط ويؤسس لدولة ولمحاكمة معينة داخل ذات الدولة.
فالدولة الديمقراطية تنبني على المحاكمات العادلة وتوفر جميع شروطها ومعاييرها من الإلتزام بإجراء المحاكمة، إبتداء وإنتهاء، وفق معايير المحاكمات العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ضرورة أن تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة ومحايدة، الحق في عدم التعرض للقبض أو الإعتقال التعسفي بأي شكل من الأشكال، الحق في الإبلاغ بالحقوق، الحق في توكيل محام، الحق في إبلاغ أسرة المتهم بالقبض عليه، الحق في التحقيق في مزاعم التعذيب، عدم الإحتجاج بالأقوال والتصريحات والإعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب وعدم الإستناد إليها كأدلة إثبات وإدانة قبل المتهم، الحق في إفتراض البراءة، الحق في سرعة أجراء المحاكمة، الحق في المساواة أمام القانون، الحق في معاملة وأوضاع إحتجاز إنسانية، الحق في علانية المحاكمة، الحق في مناقشة الشهود وكافة الأدلة الأخرى، حظر تطبيق القانون بأثر رجعي، حق الطعن في الحكم الإبتدائي الصادر بالإدانة، إستئنافا ونقضا والضمانات الخاصة في حالة الحكم بالإعدام...
فاذا افترضنا أو انطلقنا من منطلق أن المغرب بلد ديمقراطي أو يسعى لتحقيق الديمقراطية والذي على أساسه قرر الفصل بين السلط حيث جعل من السلطة القضائية سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، واعتبرنا أن المحاكمة العادلة هو ما تصبو اليه المحكمة والسلطة القضائية والدولة الديمقراطية، آنذاك يمكن أن نطرح السؤال الجوهري ونضع نقاش الكاتب العام للمحكمة في سياقه الصحيح أي بسؤال مباشر: من يوفر شروط محاكمة عادلة أفضل هل القاضي الكاتب العام أم الكاتب العام الموضوع تحت السلطة المباشرة للسلطة التنفيذية؟
كاتب الجلسة هي نقطة التماس بين كتابة الضبط والقضاء أي المناسبة التي يفرض فيها القانون وجود قضاة وكاتب ضبط يدون ما راج في الجلسة. رئيس الجلسة يرأس الجلسة ويطرح الاسئلة على المتهمين والشهود، المحامون يترافعون وممثل الحق العام يعطي استنتاجاته وكاتب الضبط يدون كل ما يروج في الجلسة.
الأطراف الثلاثة أي القضاة والمحامون والنيابة العامة يقومون بعملهم حيث يفترض فيهم التجرد والنزاهة وعدم التأثر أي الاستقلالية، في حين كاتب الجلسة الذي يمارس مهامه هو تحت سلطة واشراف رئيس المحكمة وأي احتكاك أو أي سوء تفاهم قد ينعكس على مستقبل كاتب الجلسة سواء خلال الجمعية العمومية أو خلال الجلسات القادمة حيث يمكن اعفاء كاتب الجلسة الذي لا يساير الرئيس من حضور الجلسات وتكليفه بمهام لأخرى، وقد تتخذ منحى آخر على مستوى التنقيط أو الترقية أو التأديب بمبررات عدة...
قد يرد قائل بأن كاتب الجلسة مستقل ويقوم بعمله وفق القانون وأن لا سلطة لرئيس الجلسة على كاتب الجلسة...، وهي للإشارة نفس الأجوبة التي كان وزراء العدل سابقا يرددونها اتجاه القضاة حينما كان وزير العدل يشغل منصب نائب المجلس الأعلى للقضاء، وهي نفس الاتهامات التي كان يرددها بعض القضاة اتجاه وزراء العدل السابقين باتهامهم باستغلال الانتداب لمعاقبة القضاة الذين لا يسايرون توجه الوزير علما أنه، كما كان يقول الوزراء السابقون، الوزير شخص واحد وأغلبية أعضاء المجلس الاعلى للقضاء، سابقا، هي لزملائهم القضاة.
ان من مستلزمات المحاكمة العادلة أن يتم النظر في قضايا المواطنين في محاكم يساعد فيها كل طرف الطرف الاخر لكن باستقلالية تامة عنه حيث يلزم فقط بتطبيق القانون والقيام بمهامه التي أوكلت اليه بمقتضى القانون وتوجهات السلطة التي وظفته التي تتحمل وحدها نتائج سياستها وتحاسب موظفيها.
وعليه فان أي نقاش فئوي لمنصب الكاتب العام لن يكون الا نقاشا مغلوطا لا يربط الشكل بالمضمون ولا يجعل من الديمقراطية وسيادة القانون وتوفير المحاكمة العادلة هدفا له.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire