20 févr. 2013

ناصر موحى: حوار حول معركة بادو البطولية غشت 1933 :

"من لم يع تاريخه فلن يستطيع تغيير حاضره و سيضطر لاعادته بشكل كاريكاتوري و مأساوي".  تلك واحدة من المقولات التي تصف بشكل دقيق أهمية قراءة الشعوب لتاريخها قراءة موضوعية بعيدة عن التهريج الرسمي و عن التضليل الذي هو اشد أنواع القمع و هو ما يمارسه حفنة من المؤرخين الطفيليين مقابل حفنة من العطايا.   ولتسليط الضوء على مجموعة من الأحداث التاريخية التي عرفتها المنطقة ارتأت مجلة آن الأوان أن تحاور مجموعة من المسنين الذين عايشوا تلك الأحداث لننقلها من طابعها الشفهي إلى المكتوب قبل فوات الأوان إيمانا منها بتلك المقولة الشهيرة׃"  إذا مات شيخ في أفريقيا فكأنما احترقت مكتبة".
  و ملحمة "بادو"  البطولية لسنة 1933 تشكل إحدى أهم المحطات المشهودة في تاريخ المنطقة و المغرب, نتناولها مع مجموعة من ساكنة اكوراي في  جلسة تلقائية خاصة مع" لحسن ايموتاس"  المعروف بتتبعه الدقيق و بحثه عن التاريخ من أفواه صانعيه و "مورغي" ( اتهمو ) باعتباره شاهدا حيا و فاعلا مباشرا في تلك الملحمة رغم ذاكرته التي بدأت, بفعل عامل السن,  تفقد دقة وصفها.

آن الأوان׃  كيف كانت تسير أحوال المنطقة قبل وصول المستعمر الفرنسي إليها ؟
لحسن ايموتاس׃  كان هناك نوع من السيبا,  تعود فيه مقاليد الأمور في القبيلة إلى الفخذ الذي يتوفر على اكبر عدد من الرجال و المالك لفدانات كثيرة و قطيع وافر من الماشية  .
آن الأوان׃  ومن يتكلف بفض النزاعات بين الأفراد و الجماعات؟
لحسن ايموتاس׃  قرابة نهاية القرن 19 و بداية القرن 20,  كان هناك شخص يسمى" اوتميح"  و آخر اسمه" يوسف احمو"  و ثالث يسمى" موح علي اعضيضي" كانوا بمثابة وسطاء بين الناس,  أما في الأمور القضائية و الدينية فكان المسمى" سيدي محمد اولحاج"  يقوم بهذه المهمة إلى أن استشهد في معركة" بادو"  و قبل هؤلاء جميعا كانت أسماء مثل "سيدي أولخير"  و "سيدي بناصر"  تقوم بهذه المهمة.
ان الاوان׃  و ماذا عن فترة مجيء المستعمر الفرنسي؟
لحسن ايموتاس׃  لقد جاءت الجيوش الغازية عبر مضيق" تاقات"  إلا انه حوصر من طرف قبائل " ايت مرغاد"  فاضطر للرجوع إلى " تاكنسا"  و ظل يحفر النفق مدة سنة كاملة و كان ذلك سنة 1931.
ان الاوان׃  وكيف تم تنظيم المقاومة بعد أن اجتاز الفرنسيون " تاكنسا" ؟
لحسن ايموتاس׃  حينما وصلت الجيوش إلى " تانا"  حسب ما حكاه لي  "مولاي امبارش"  و " مولاي  أناصر"  انطلق البراح يطلب ممن يريد الجهاد في سبيل الله أن ينهض للتعرض للقوات الفرنسية التي اجتازت " تاكنسا"  . و بالفعل نهض المجاهدون على الفور فتعرضوا له قرب ضريح " سيدي امحمد ايوسف"  حيث شكلوا خنادق فتواجهوا مع قوات " الكوم"  و استطاعوا في المرة الأولى إجبارهم على التراجع . إلا أن الضباط الفرنسيين المرابطين خلف الجيوش أطلقوا نيرانهم على " الكوم"  لكي يتقدموا مدعومين بثلاث طائرات ظلت تقصف المواقع الأمامية للمجاهدين ,  و أمام التفوق العسكري الفرنسي خاصة منه الجوي اضطروا إلى التراجع لتزحف الجيوش الفرنسية على " اغران"  في ظرف يوم واحد. وفي تلك الليلة بدأ المجاهدون يفرون إلى مرتفعات جبل " بادو"  للتحصن هناك.  و أشير أن الفرنسيين كانوا يقصفون الدواوير قبل وصولهم انطلاقا من" سمكات"  بواسطة المدافع,  أما الطائرات فكانت تقلع من " الريش"  لتسقط قنابلها على المنازل بشكل همجي.
آن الأوان׃   كيف كان تصرف الجيش الفرنسي حين وصوله إلى مشارف " اكوراي" ؟
لحسن ايموتاس׃  أرسل القبطان المسمى" روسي"  إلى الجماعة السلالية وسيطا و طلب من السكان الاستسلام أو مواجهة آلته الحربية,  ففر الرافضون لأوامره إلى "ايت احديدو"  عبر " امقسو"  ليلا و إلى " بادو" كما أشرت إلى ذلك.
آن الأوان:   ماذا عن الأسلحة التي قاوم بها المجاهدون جحافل الغزاة؟
مورغي׃  استعملوا الأسلحة التقليدية بما فيها " التساعية" " بوشفر" " تاعشارييت" " ساسبو" " تارباعييت"  و" تاحرابييت". كما هو الحال الآن فالمسلمون لا يملكون سلاحا و كانوا يحصلون على هذه القطع بتنظيمهم حرب العصابات في الطريق الممتدة بين "الريش" 
و " أسول",   فقد كانوا يلجؤون إلى حيلة ذكية لاستدراج كتائب من المشاة الاستعمارية حيث يعمد المجاهدون إلى قطع خط التلفون و حين يأتي مجموعة من الفرنسيين لاعادة تشغيله يهاجمونهم على حين غرة فيقتلونهم و يستولوا على ما بحوزتهم من أسلحة و ملابس .
آن الأوان׃  باعتبارك حاضرا في تلك الأحداث كيف كانت  الظروف والملابسات التي أحيطت بمرحلة الهروب إلى " بادو"؟
  مورغي׃  حين استولى الفرنسيون على " اكوراي"  و " أسول"  لجأ السكان الذين تسمح لهم حالتهم الصحية إلى الجبل في بداية 1933 و حاصر الفرنسيون جبل " غجظط"  و " بادو"  . كان المجاهدون يسقون من عيون تسمى " تين اخيي"  و تأتيهم المؤونة ليلا من الدواوير,   و للإشارة فقد اصطحب الكثير منهم قطعان ماشيتهم . لكن المستعمر شد الخناق عليهم بالاستيلاء على العيون,  و أمام شدة العطش و الجوع و القصف المستمر بالدبابات و الطائرات اضطر الكثيرون للنزول و الاستسلام في حين فر الرافضون إلى جبل " صاغرو"  . و أشير أن مختلف القبائل كانت حاضرة في جبل " بادو"  فمنهم "ايت عيسى ازم" " ايت سيدي بويعقوب" " ايت احديدو"  و " ايت مرغاد"  . و قد استشهد الكثيرون إلا أنني لا اعرف إلا أهل الدوار منهم "مولاي أشتي" " أزري" " سيدي محمد اولحاج"  و المسمى" الطاجين"  و أخته من " أسول " و من المجروحين اذكر " بزة"  و " احدوشان"  .و في صفوف العدو أسقطت قرابة 5 طائرات و أنا كنت شاهدا بأم عيني على طائرتين و كنا نتفرج على جثث الربان و هي تلتهمها النيران بنهم كبير فقلنا يا سبحان الله انظروا كيف تشتهي النار لحم الكفار.
آن الأوان׃ ما مصير الذين استسلموا و نزلوا من بادو ؟
مورغي:  كان يفرض على كل فرد أداء غرامة قدرها 3 ريالات,  و هو مبلغ كاف آنذاك لقتل رجل و غرم " اكوراي"  بكامله بأداء 1000 ريال لم تجمع إلا بشق الأنفس,  يتدخل "لحسن ايموتاس"  قائلا:  آخر من استسلم في جبل " بادو"  هو " اسكونتي"  و مجموعته من "ايت عيسى ازم"  . فقد أرسل الفرنسيون " عدي ابهي"  للتوسط لدى " اوسكنتي"  و إقناعه بالنزول من الجبل,  و قد قبل الاستسلام بعد أن وعده هذا الأخير بان لا يصاب بسوء هو و مجموعته.  لكن الفرنسيين لا أمان لهم فبمجرد وصولهم سجن كل رفاقه ب "اسول"  و اجبروا على الأشغال الشاقة و تشييد معظم البنية التحتية لاقامة الإدارة الفرنسية ب "اسول"  . اما " اوسكنتي"  فقد فرضت عليه الإقامة الإجبارية ب "تاديغوست"  . في تلك المرحلة بدأت حركة " زايد اوحماد"  نشاطها النضالي المسلح و أصبحت تؤرق بال الفرنسيين في كل المنطقة,  حيث ما انفكت توقع بهم خسائر في الأرواح و من أبناء " اكوراي"  الذين رافقوه و حوكموا من اجله نذكر " اموح رحو" , "اومعا" , " محا" , " موح بوعلي"  و " اوهمي" ....
 آن الأوان׃ بعد كل هذه التضحيات الجسام التي قام بها سكان منطقة " بويعقوب" ,  هل هناك من اعترف له من طرف الجهات الرسمية بالانتماء إلى المقاومة و أعضاء جيش التحرير؟.
لحسن ايموتاس:  حسب معرفتي الخاصة ليس هناك و لو واحد اعترف له بهذه الصفة و أظن أن السبب يكمن في كون تاريخ المقاومة لم يشمل فترتهم او لأن أحدا من هؤلاء أو أسرهم تكلف بمتابعة الملف اللهم  حالة "اومعا" .
آن الأوان׃ من المعلوم أن السلطة بدأت مؤخرا تنظم احتفالا سنويا في ذكرى معركة " بادو"  بمنطقة  "اغبالو انكردوس"  في غياب مقاومي " تاغيا" , ما تعليقكم على ذلك؟
لحسن ايموتاس:  من يدري, فما عدنا نفهم شيئا مما يقع .                                          انتهى الاستجواب

فعلا كان الجواب شافيا,  فلو كانت بطائق المقاومة تمنح عن استحقاق لرصعت المنطقة بأهاليها و جبالها بوسام الوطنية و لرفع عنها التهميش الممنهج و فكت عنها العزلة القاتلة . لكن واقع الأمور و الأحوال يؤكد أن كل شيء في هذا الوطن العزيز يشترى و يباع و أن التاريخ الرسمي ما هو إلا شهادة يدلى بها في عمليات الشراء و البيع هاته . فمتى يا ترى نستيقظ من سباتنا العميق لنصرخ بكل قوانا كفانا تهميشا فقد آن الأوان .
أجرى الحوار و ترجمه من الامازيغية ناصر

المصدر المجلة الداخلية لجمعية بو يعقوب بأكوراي، العدد الثالث والرابع، مارس-ماي 2003

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire