15 janv. 2013

درس في المنهجية الديموقراطية

إذا كان من ابتكارات واكتشافات ينفرد بها المغرب، فهي تلك التي تخص مغربة جميع المفاهيم عبر إضافة صفة " صنع المغرب " لكل شيء من اجل إفراغه من مضمونه الحقيقي. فديمقراطيتنا تختلف عن الديمقراطيات الأخرى لأنها مغربية أو بالاحرى حسنية ، وانتقالنا الديموقراطي كذلك ، وحقوق الانسان السياسية ، الاجتماعية والاقتصادية كذلك وصولا إلى البرلمان والحكومة ومجلس المستشارين إلى الانتخابات كل شيء ينقلب إلى ضده بمغربته .
بعد تعيين حكومة جطو، تجرا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وطالب باحترام المنهجية الديمقراطية أي بتعيين الوزير الأول من الحزب أو التحالف الذي يحصل على اكبر عدد من مناصب البرلمان .كان من نتائج هذا التجرؤ خطاب رسمي وعد بالرجوع إلى المنهجية الديمقراطية . وعد كان ضروريا وبديهيا ان يطبق ، لكن على الطريقة المغربية طبعا .

لقد كشفت تطورات الأحداث اللاحقة على ان المنهجية الديمقراطية يجب ان تقدم في أبشع صورها لكي يحصل إجماع وطني على عدم جدوى المنهجية الديمقراطية والتهيؤ للانقلاب عليها في أول فرصة متاحة .
بعد انتخابات شتنبر 2007 تردد اسم علي الهمة كوزير أول مرتقب ، زاد من ذلك استقالته/ إقالته من وزارة الداخلية وترشحه بمنطقة الرحامنة مع فوز باهر بالمقاعد وشعبية كثيرة.
 كنت متيقنا من ان علي الهمة لن يعين وزيرا أولا في تلك المرحلة لان الملك لا يمكن ان يعطي وعدا ويخالفه في أول محطة ، زاد من تأكيد ذلك تصريحات علي الهمة نفسه الذي أكد ان ذلك غير مطروح حاليا دون ان يعني ذلك انه غائب نهائيا .
ان الأمر يحتاج فقط إلى بعض الوقت ، وقت لتطبيق المنهجية في أبشع صورها بتعيين عباس الفاسي ( صاحب ملف النجاة والذي رفعت ضده دعاوى قضائية ) وزيرا أولا ثم محاصرته من كل الجهات بوزراء ومدراء لا حول ولا قوة له عليهم وفي الجهة الأخرى تهيئ البديل قاعديا بتمكينه من قاعدة جماهيرية مكونة من رضا شعبي لبديل عن حكومة عباس ، وأحزاب وسطية عانت الأمرين في التموقع في الخريطة السياسية بعد رحيل صناعها ثم أفراد يساريين يرون في الدولة ومؤسساتها حماية للمجتمع من التطرف الأصولي والإرهاب كما ان الوضع المادي المريح يساعدهم في التفكير فوق أرائك فاخرة عوض تدخين سجائر الماركيز في مقاهي الخمس دراهم .
ولضمان سير عادي لما بعد حكومة عباس ، تم الزج بالحركة الشعبية في المعارضة حتى لا تحسب عليها تجربة عباس السيئة الذكر من جهة وإيصال رسالة مشفرة لها ولباقي الأحزاب على ان الحكومة والوزراء هو شان يتجاوز رغبة الأحزاب والإطارات وما على كل من يرغب في الاستفادة سوى الانضباط لما يتم التفضل به من جهات عليا من جهة أخرى.
ولقطع أية مطالبة حزبية مستقبلية ، يتم إشهار معدل المشاركة الذي لم يصل 40 أي ان الأحزاب مجتمعة لم تتمكن من إقناع 40% من المسجلين وما بالك بالمقاطعين .... أي ان ثنائية الأغلبية والأقلية لا مكان لها في الخصوصية المغربية حيث الكل أقلية . وفي هذا الصدد فإننا نعرف جيدا إمكانيات وزارة الداخلية وطاقمها الذي يستطيع رفع المشاركة إلى 80%  في رمشة عين سواء بتجييشها لقوادها وشيوخها ومقدميها أو الإعلان في جملة بسيطة بان نسبة المشاركة فاقت 99،99% كما عهدنا لعقود كبيرة .
_2_
 
السياسة في المغرب ورغم انها سياسة فهي تخضع لمنطق يمكن تصنيفه في منطق اللاسياسة. اللاسياسة هاته لا تعني لا السياسة أي غياب السياسة وانما لا السياسة كما هو متعارف عليه في السياسة الدولية والتي يبقى اليمين فيها يمين واليسار يسار وبينهما برزخ لا يبغيان.
هكذا بدا منذ الوهلة التي أعلنت فيها أن حكومة عباس الانتقامية والمنخرطة فيما سمي زورا وبهتانا المنهجية الديموقراطية, حكومة انتقالية تستهدف في المقام الأول عدم إحراج المتحكمين الكبار في اللعبة السياسية ومسايرتهم لمنطق اللاعب الدولي السابق المسمى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي اعتزل السياسة بشكل نهائي بعد دخوله في متاهات التناوب والتوافق والحسابات الضيقة حتى بدا وكأنه قزم سياسي يؤثث المشهد الحكومي وليس السياسي والذي انفردت به قوى أخرى عرفت وخططت لكل صغيرة وكبيرة فقزمته اكثر من اللازم بل عملت على إحباط كل محاولاته لاستعادة ما ضاع منه على اثر التمسك بوزير العدل في مهامه لانجاح مشروعه في وزارة العدل وإيهامه من طرف أصدقائه قبل أعدائه بان وجوده على راس هاته الوزارة سيساعد على الوقوف ضد الخروقات الانتخابية واستعمال المال الحرام للوصول إلى السلطة/الكعكة.
لقد تأكد عميد محاربي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن ترأسه لهذا الجهاز لا يسمح له بالتدخل في مجريات الأمور التي تتحكم بخيوطها قوى لا ملموسة هي اقرب من الجن منها إلى الإنس, خصوصا بعد صدور الأحكام القضائية في صالح محترفي الأصالة والمعاصرة. لقد تأكد بالملموس أن القضاء شيء والقدر شيء آخر, أن النضال الديموقراطي شيء والواقع شيء آخر, أن المنهجية الديموقراطية شيء واللف والدوران شيء آخر. لقد تم البرهان في رمشة عين أن دفاعه المستميت على الحكومة ومصالحها وما حققته في ظل أغلبية حكومية توهم أنها قارة وأنها موضوعة لخدمة مصالح المغرب ما هي إلا توريطة تستهدف القضاء على ما تبقى من ارث الأربعين سنة من المعارضة ومعها آمال والام هذا الشعب الأبي الذي ظل يلتمس الطريق في كل مناسبة قصد فك قيود الاستغلال والكمبرادورية.
لقد باغتته قوى الأصالة والمعاصرة بما كان عليه فعله منذ انتخابات شتنبر 2007 أي الانسحاب من الحكومة والالتحاق بالمعارضة وترك الفتات لاصحابه والانضمام إلى صفوف قوى الشعب التي تعمل جاهدا على بناء وترميم صفوفها والتصدي للمشروع الامبريالي الاستغلالي الذي يواصل طريقه نحو إحكام سيطرته على الكل والقضاء على ما تبقى من اوجه الممانعة والصمود.
لقد لقن الأعداء مرة أخرى درسا لا ينسى لاصحاب الاشتراكية الاجتماعية والمشروع الحداثي والمنهجية الديموقراطية وصناديق الاقتراع الشفافة. درس تنبأ له المبتدئون في السياسة ولم يعلم به أو بالأحرى عمل على إنجاحه التيار التخاذلي المصلحي من داخل الاتحاد الاشتراكي والذي يجب عليه أو بالأحرى على التيار المتناقض معه والمنساق وراء شعاراته ان يعلن فشله الذريع في تسيير المرحلة والالتحاق بالمدافعين عن طبقة أو فئات اجتماعية لم تعد مصالحها تتماشى لا كليا ولا جزئيا مع أباطرة الاتحاد الاشتركي للقوات الشعبية والذي يصح لهم الآن اكثر من أي وقت مضى الانضمام إلى مشروع التنين الذي يأتي على الأخضر واليابس عبر تأسيس "جبهة لكل الليبراليين والإقطاعيين المغاربة" وان يتركوا المجال للفئات العريضة من منخرطي واتباع الاتحاد الاشتراكي حتى يقرروا مصيرهم بعيدا عن كل تخوين أو تهويل بالمس بالمقدسات وبالقسم الذي جمع المعارضة والعرش. فالمقدسات لها مجالها والمعارضة والعرش جمعها ما جمعها حينما كانت المعارضة معارضة, أما وقد تماشت مصالحهما معا في المزيد من تركيع الشعب, فما على قواعدها سوى الالتحاق بالراغبين في تحسن حياة المواطن بل أولا وقبل كل شيء النضال من اجل فرض الاعتراف بالمواطن كمواطن ثم العمل على تحسين وضعيته ان اقتصاديا اجتماعيا وسياسيا وهذا لن يتأتى في رمشة عين أو عبر الانخراط في مشروع الانقلاب/المصالحة وانما عبر مزيد من الانخراط في أوساط العمال والفلاحين والمهمشين والكادحين الذين هم لوحدهم يستطيعون حمل لواء تطوير هذا الوطن. وللأصالة والمعاصرة ومهندسيها لقاء آخر مع التاريخ.

2009

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire