12 janv. 2013

المؤامرة أو الطريق السهل لتبرير فشل حكومة ابن كيران -3-




بالنظر إلى القاعدة الاجتماعية لحزب العدالة والتنمية والمتكونة أساسا من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، هاته القاعدة المتواجدة بحكم هذا الانتماء الطبقي بين البرجوازية الكمبرادورية المتحكمة في دواليب الاقتصاد والسياسية في علاقة عضوية بالامبريالة، والطبقات الشعبية وعموم العمال والفلاحين، المنتجون للثروة والثورة بحكم موقعهم في عملية الإنتاج والبؤس الذي يعانونه بفعل ظروف الاستغلال المجحفة وغلاء الأسعار وغياب البنية التحتية واقتصاد وطني موجه لتلبية حاجيات السكان.
وبحكم المرجعية الاسلاموية لحزب العدالة والتنمية استطاع الحصول على أصوات العديد من أبناء الشعب المغربي الكادحين والرافضين لسياسة الدولة الاقتصادية منها أو الإيديولوجية أو السياسية، وكذا الأصوات التي كانت موجهة للأحزاب اليسارية للبرجوازية الصغيرة والمتوسطة، والتي انسلخت عنها بفعل إشراكها فيما سمي في التجربة السياسية المغربية مرحلة التناوب ممثلة في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي عرف اندحارا كبيرا وتحول إلى مجموعة من القادة بدون قاعدة اجتماعية.

وبحكم كون العدالة والتنمية فائزا في الانتخابات التشريعية ورئيسا للحكومة سياسيا، وعدم امتلاكه لوسائل الإنتاج من جهة، وعدم ارتكازه على الطبقة النقيض من جهة أخرى، يبقى وضعه وسياسته متذبذبة بين الوفاء بوعوده الانتخابية المتمثلة في القطع مع الريع وبناء اقتصاد وطني، وإعادة النظر في مجموعة من الاتفاقات والرفع من المستوى المعيشي للساكنة والرفع من الأجور من جهة، وسياسة الأمر الواقع التي ينتهجها والتي تفرض عليه الاستدانة من صندوق النقد الدولي، وقمع المظاهرات السلمية، والتضييق على الحريات النقابية، واعتقال المناضلين والمحاكمات السياسية والعفو عن المجرمين وناهبي المال العام.
بالنظر لهذا الوضع، واختياره الاصطفاف إلى جانب البرجوازية الكبرادورية ضدا على وعوده الانتخابية والمصالح الشعبية والقوت اليومي للمواطنين، بحكم تحالفه مع أحزاب من التحالف البرجوازي التي تدافع عن المصالح التي راكمتها عبر سنين طويلة من قبيل الإعفاء الضريبي للقطاع الفلاحي، تخفيض الضريبة على الشركات، معارضة الضريبة على الثروة، رفض رفع الضريبة على السيارات الفارهة،... ممثلة في حزب الاستقلال والحركة الشعبية، يجعل منه أداة في يد الدولة للضرب بيد من حديد على كل الحركات الاجتماعية وقمع كل الاحتجاجات والتي تشكل في الأصل الشرط الوحيد لوجوده على راس الحكومة، بل وتصريف أزمة البرجوازية الكمبرادورية على عاتقه: الرفع من ثمن المحروقات، الضريبة على السيارات القديمة التي كانت معفية، تحرير الأسعار، إخلاء والسطو على العقارات، تجميد الأجور،
ان حزب العدالة والتنمية بهجومها على التحركات الشعبية وحركة 20 فبراير كمن يحفر قبره بيده، فالدولة لم تقبل به في الحكومة إلا بفعل الضغط الشعبي الذي تعانيه ووجود شرخ في الهيمنة الطبقية بين مختلف الفئات المكونة للتحالف الطبقي المسيطر: الفلاحي منه والتجاري والصناعي والريعي مع كل روابطه بمختلف الدول الامبريالية ومصالحها المتناقضة.
وهذا الوضع يعيه جيدا الحزب، لكن لا يمتلك البديل بفعل موقعه الطبقي، فعبارة "مازال مانشوف رجلينا" التي يرددها بن كيران كلما اشتد عليه هجوم الدولة أو الاصالة والمعاصرة، هو تهديد لهما بالعودة القوية للربيع العربي وخرق نظرية الاستثناء المغربي التي يتغنى بها.
كما أن الدولة أو الطبقة الكمبرادورية المسيطرة غير مطمئنة البتة لحكم طبقة صغيرة ومتوسطة وخصوصا اذا كانت تستعمل نفس الايديولجية الإسلامية التي تعطي لها خصوصية وإمكانية التذبذب بين الاصالة والمعاصرة، وبالتالي فحزبها، الاصالة والمعاصرة، المعبر عن أطماعها ومصالحها، والذي كان مهيأ للحكم تحت صيغة ج 8 أو التحالف الحاكم قبل أن تطيح به حركة 20 فبراير والربيع العربي، يبني نفسه ويهاجم بطرق متعددة في انتظار مرور العاصفة التي يحاول ابن كيران تهدئتها، لأنه في كل الاحوال، وبفعل التدبدب الذي يعيش فيه، لا يمكن أن يبقى على رأس الحكومة، سواء هدأت العاصفة أو أتت على الأخضر واليابس.
إن صيرورة الأمور والأحداث تذهب في اتجاه بروز توجهين أو أكثر داخل حزب العدالة والتنمية، وهو أمر موجود حاليا، حيث يكفي مقارنة تيار بوانو، وبن كيران، والرميد، والذي يحاول الحزب تقديمه على انه ديموقراطية واختلاف لا يفسد للود قضية، والحال أنه تعبير عن تناقضات مصلحية بين فئة ستجد في اندماجها التدريجي في البرجوازية الكبيرة والكمبرادورية مرتعا خصبا، وستتحول من عالم العلم والكتب والفتاوى إلى عالم الأعمال والمشاريع الكبرى، وفئة تصر على الوفاء لفكرها ونظرتها البسيطة للأمور وهي بذلك ستظهر بوجه المحصن للحزب من الانزلاقات التي تجد أصلها في حركة وصيرورة الاقتصاد والقوانين الموضوعية، وهذا التيار سيجد مقومات الاستمرار والتحكم في السيطرة على جهاز الدولة والذي لن يتأتى سوى بالانخراط في المشروع الإرهابي الذي تقوده تيارات سلفية مماثلة مادام غير منغرس في الطبقة العاملة والفلاحين حاملي لواء التغيير والمجتمع البديل، أما التيار الثالث او الفئة الثالثة، فستتحول إلى فئة دينية منزوية عن ممارسة السياسة وهذا سيقوي دور حركة الإصلاح والتوحيد. كل هاته الفئات والتيارات ستنمو وتتطور في علاقات صدام وتحالف مع قوى لها نفس المشروع المجتمعي والمرجعية الاسلاموية كالعدل والإحسان ومختلف تيارات السلفيين.
إن المرحلة التي تفصلنا عن الانتخابات التشريعية ستكون مرحلة سياسية بامتياز برهانات مختلفة:
العدالة والتنمية يراهن على تحويل تفوقه التشريعي إلى تفوق جماعي ينتج عنه إنتاج مجلس للمستشارين ملتح،
الدولة المجندة بكل الوسائل للحيلولة دون حصول العدالة والتنمية على الأغلبية داخل مجلس المستشارين مما يعني بالنسبة لها انقلابا أبيضا وبداية لحقبة سياسية مختلف تماما، وستستعمل جميع الأساليب الجديدة منها والقديمة،
20 فبراير وعموم العمال والفلاحين والموظفين والطبقات الشعبية، مرحلة التصادم مع تحالف الدولة والعدالة والتنيمة قصد تحقيق مكتسبات على الجانب الاقتصادي والاجتماعي أو في اقل الأحوال التصدي لمحاولات تصريف الأزمة على كاهلهم.
وهي التصادمات التي يمكن أن تطعمها الدولة وتعمل على استثمارها قصد الحد من تنامي شعبية العدالة والتنمية التي تنمو من داخل الحصار نظرا للمنطق النفسي الانتقامي الذي أصبح سائدا في المجتمع: المقاطعة أو التصويت على عدو العدو والذي تستفيد منه العدالة والتنمية جيدا بفعل انضباط قواعدها في الوقت الراهن.
كما تراهن الدولة بشكل كبير على تفتيت التحالف الحكومي الحالي من الداخل بعد أن استطاعت وضع مؤيدين وتابعين لسياستها على رأس حزبين يتقاسمان نفس القاعدة الاجتماعية مع العدالة والتنمية ولهما تاريخ وموقع في الحياة السياسية، الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، حيث سيعمل الاستقلال قبيل الانتخابات التشريعية على خلخلة التحالف والمطالبة بتعديل والمطالبة بقطاعات حساسة بل قد تكون مطالب تعجيزية تعيد المرحلة التوافقية إلى الصفر.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire