4 mars 2013

كتابة الضبط: الواقع المأزوم والأفق المظلم _تابع_

اذا كان هذا هو وضع قطاع أزعج الدولة لقرون عديدة، فالوضع مختلف تماما بالنسبة لقطاع العدل الذي اعتبرته الدولة قطاع سيادة لا يستوعب الاحتجاج والنضال، فكان بهذا وجود العمل النقابي في القطاع انجازا كبيرا في حد ذاته. وقد تم التعامل بحذر كبير معه قبل أن تنقلب أموره ويدخل في دوامة يعرفها الجميع.
الان وبعد اكثر من عقد من الزمن على بداية العمل النقابي وترسخه، امور كثيرة تحققت على ارض الواقع منها المادية والمعنوية، لكن اشياء اخرى تبقى بعيدة المنال وتستلزم وضعها في برنامج نضالي محدد قصد التقدم فيها رويدا رويدا.
فاذا كان كاتب الضبط هو محور العملية القضائية برمتها، من استقبال الملفات وفتحها، الى التبليغ الى التنفيذ، الى تدوين ما يروج في الجلسة. انه وبحكم هذا الموقع يجد نفسه في احتكاك دائم مع جميع الاطراف المتدخلة في العملية القضائية: القاضي، المحامي، الخبير، المفوض القضائي، والمسؤولين بمختلف درجاتهم وتخصصاتهم.

هذا الموقع الحيوي يخلق الكثير من المتاعب للأطراف الأخرى والتي كانت والى حدود الأمس القريب تفرض على كاتب الضبط خياراتها وقراراتها إن بطريقة سلسة أم بطريقة الأوامر الإدارية.
ومع تبني خيار النضال وسيلة وسبيلا لحل مشاكل كتابة الضبط، أصبح موقع كتابة الضبط مزعجا للجميع وبدأ التفكير في اقتصاص أجزاء كثيرة منه لفائدة أطراف أخرى، وهنا وجب التركيز على مقترح "كاتب جلسة من الحضور". هذا المقترح، وان تم توقيفه و التصدي له، ترك جرحا غائرا وعميقا في كتابة الضبط ، فهي لم تعد ذاك الجهاز أو الإدارة التي يتطلب ولوجها تخصصا معينا، ودراية محددة... بل تم تسويقها على أساس أن أي مواطن عادي يمكن أن يقوم بما يقوم به كاتب الجلسة في واقعة هي أشبه بنكتة من نكت التعليم التي سبقت الإشارة إلى ظروفها.
ينضاف إليه ما أصر عليه بعض الموظفين في فهمهم البسيط المرئي للنضال، وهو تصوير كل مظاهر الحياة داخل المحاكم من صور بدائية تعود للعصر الحجري فيما يخص وضعية العمل، الارشيف، المقاصف... وتسويقها على نطاق واسع، بل واعتماد ذلك أساسا للنضال والتهييج دون الالتفات الى طبيعة المرحلة الراهنة ولا الى حجم الضرر الاعتباري الذي جنته كتابة الضبط جراء ذلك.
ولكي تكتمل الصورة ويحق عليهم القول، تمكن الوزير من جر الموظفين والنقابة إلى مستنقع لا آخر له، لعبة المطاردة مع الوزير من محكمة الى محكمة، ومن ندوة لندوة...، كما قام بمناورات عديدة لفصل الموظفين والنقابة عن أساسها المادي الصلب المتمثل في الملف المطلبي واتهامهم بتسييس النضالات وخدمة أجندة سياسية في قطاع العدل.
ان أخطر ما أسفرت عنه هاته العملية، من حيث لا ندري، أن كتابة الضبط أصبحت معزولة كليا عن كل المتدخلين في العملية القضائية، بل أكثر من ذلك أصبحت فريسة وضعت أمام جميع الأطراف ليلتهم كل واحد ما يحلو له منها.
ان أفق تطور كتابة الضبط يبدو مظلما أكثر فأكثر، وكل المؤشرات تزكي ذلك:
1-   تعويض كاتب الجلسة من طرف الحضور،
2-   طبع الأحكام من طرف القضاة والإمكانيات المرصودة لهم مقابل ذلك،
3-   تمكين الخزينة من تنفيذ الملفات التي مرت عليها ستة أشهر،
4-   منشور حماية المفوض القضائي أثناء مزاولة مهامه،
5-   منشور تسخير القوة العمومية بطلب من المفوضين القضائيين،
6-   تنفيذ الملفات من طرف المفوضين...

بالامس القريب، كانت كتابة الضبط عبارة عن دولة داخل دولة، تمارس كل المهام من أدناها الى اقصاها، فمن المنظفة، الى حارس البناية، الى البستاني، الى الصباغ، الى الرصاص، الى المبلغ الى المنفذ، الى رؤساء الاقسام والشعب وكتابة الضبط.
تساقطت أوراق كثيرة بمبررات شتى والتي يبقى مؤطرها الكبير هو سياسة الخوصصة واهتمام الادارة بالمهمة الاساسية لوجودها.
أصحاب تقزيم كتابة الضبط منكبون على ايجاد بدائل لها ومحاصرتها وتقديم اختصاصاتها قربانا لجهات معروفة بعدائها لكتابة الضبط.
العملية ككل، حسب رؤيتهم، بالنسبة للمحكمة تدور حول إصدار حكم. كيف يهيأ الملف، من يحضر الجلسات، من يستقبل المواطن، من يبلغ، من ينفذ، من يستقبل الرسوم...، كلها أمور لها حلول، وكل ادارة أو شركة يمكن ان تقوم بجزء من العملية.
فطالب التنفيذ لا يهمه سوى تنفيذ حكم، وستفتح عشرات الإمكانيات أمامه للقيام بذلك،
وأداء رسوم الملف كذلك، وقد تعفى إلى حين استخلاصها من الملف المنفذ،
طالب التبليغ كذلك،
ملف الجلسة لا يخلو من إمكانيات عديدة...

انه صراع كبير بين أطراف مؤثرة ووازنة وصوتها موحد، وهذا هو المنظور الجديد الذي يشتغل عليه العديد من الأطراف، في الوقت الذي نلعب فيه لعبة الغميضة مع السيد الوزير.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire