16 nov. 2013

ميثاق إصلاح العدالة: أي ميثاق لأية عدالة -2-



3_  اختصاصات وزير العدل والحريات: اعتبرت وزراة العدل  وزارة سيادة لعقود  من الزمن، للملك فقط حق التصرف فيها ولا يحق للوزير الأول أو الأحزاب السياسية تعيين أي وزير للعدل أو التدخل في شؤونه.
وبعد مشاورات ومناورات مرحلة التناوب/الإشراك، أصبح  منصب وزير العدل منصبا سياسيا بعيدا عن منطق السيادة السائد سابقا في حدوده الشكلية طبعا.
وبفعل هذا الانتقال، وقعت بعض الاحتكاكات بين المخزن ورجالاته المخلصين ووزير العدل بفعل الاختصاصات التي يتوفر عليها وبفعل إمكانية فتح المتابعة في حق البعض منهم أو على الأقل الاطلاع على ملفات الفساد المتعلقة بهم.
وكان للحراك الذي  عرفه المغرب على غرار باقي دول ما سمي بالربيع العربي والذي أدى إلى صعود حكومة ملتحية إلى سدة الحكم الشكلي بعد الدستور الذي قاطعته العديد من الأحزاب والقوى الديمقراطية والتقدمية دور كبير في محاولة إعادة الدولة ترتيب أوراقها.
ان هذا الحراك نتج عنه صراع بين الطرفين النقيضين في المجتمع وصراع آخر بين طرفي الحكم المتمثل أساسا في حكومة "الصناديق" أو التسويات السياسية وحكومة الظل.
وقد لعبت وزارة  العدل والحريات دورا أساسيا في هذا الصراع، بها وحولها. وإذا كان خيار إرجاعها إلى حضن وزارات السيادة خيارا يعاكس التاريخ ومنطقه وتطوره ويعبر عن سياسة صبيانية، فان إفراغها من مضمونها السياسي إمكانية واقعية تجد مبررها في المطالب الحقوقية والسياسية باستقلالية السلط الثلاث: السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، مع فارق كبير في كون الدولة المغربية تنتقي من المطالب الديمقراطية ما يؤبد سيطرتها ويمنع الفاعلين السياسيين من القيام بأي تغيير في بنية الدولة.
وقد كان هذا التوجه قد أرسى قواعد اللعبة حتى قبل انطلاق جولات إصلاح منظومة العدالة حين أقصى وزير العدل والحريات من تركبة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتعيين هيأة عليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.
وقد عمل وزير العدل على استدراك ذلك بدفعه في اتجاه إبقاء النيابة العامة تحت إمرته بدون جدوى نظرا للترتيب المسبق للأمور حيث نجد في  الفصـل 110 من الدستور " يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون. كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها"، وهو ما لم يتم استيعابه في حينه، وما الأجواء التي مرت فيها الندوة الجهوية الثامنة التي تم عقدها بأكادير حول موضوع استقلال السلطة القضائية إلا خير دليل على ذلك.
وقد جاء القول الفصل بفصل النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وإسناد رئاستها إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.
وقد زكى التعديل الحكومي الأخير هذا التراجع، حيث عادت أم الوزارات إلى سابق عهدها بعد مرحلة سياسية وجيزة.
4_  أجواء الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة: كانعكاس لما سبق ذكره، تم إجراء الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة تحت حصارين: الحصار السياسي الذي قادته الدولة وممثلوها مضافا إليهم بعض الأحزاب السياسية الإدارية منها أو التي لها تاريخ إخفاق مع محاولة إصلاح عطب العدالة بالمغرب، ثم الحصار الميداني من خلال مقاطعة مجموعة من التنظيمات النقابية والمهنية لأشغال الحوار بل وتنظيم أشكال احتجاجية مرافقة لكل جولة من جولات الحوار/الوزير الذي لم يهدأ له بال طوال أطوار الحوار الوطني.
وفي المقابل، حاول الوزير إظهار المقاطعات والاحتجاجات مظهر الضعف والاستثنائية، حيث تم إغراق الندوات بمجموعة من الموظفين والمهنيين الذين يتقاسمون الانتماء الحزبي مع الوزير، وتم إحضار تنظيمات تم تشكيلها في الخفاء وبدون اجراءت سليمة للتأسيس من قبيل الدعوة للجمع التأسيسي.
كما استغل تناقض مواقف البعض، من أحزاب سياسية ومنظمات نقابية ومهنية التي لم تكن مقاطعتها مرتكزة على أساس متين أو تحاول عدم الخوض في أسباب المقاطعة الحقيقية والتي تجلت شكلا في الإقصاء من الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة التي نصبها الملك، ومضمونا في الصراع بين توجهات متنافرة من داخل الدولة والتي يبقى هدفها التموقع فيها بدل إصلاحها أو تغييرها جذريا.
وعملت التنظيمات الموازية للوزير بشن حرب على الأطراف المقاطعة والمنتقدة بهدف إظهارها بمظهر المدافع على تأبيد الفساد والتغطية عنه، ومحاربة الوزير وحزبه.
وهكذا جاء بلاغ  نقابة الوزير بالقطاع ليومي الجمعة والسبت 13 و 14 شتنبر، ليرفع اللبس ويصرح:  
-         كما توقف عند التفاعلات الاجتماعية والسياسية التي تشهدها بلادنا في سياق ما تواجهه عملية تنزيل الدستور من بطء وتباطؤ لن يخدم إلا مقاومي الإصلاح والمتنفعين من الفساد،......
-         وبغض النظر عن مدى استجابته لجميع مقترحاتنا سواء المتعلقة منها بكتابة الضبط أو المتعلقة بالمهن القضائية الأخرى أو بكافة جوانب مشروع الإصلاح،....
-         وبعدما كان نتاج حوار مجتمعي شاركت فيه وبلورت مضامينه الغالبية العظمى من الفعاليات الوطنية في قطاع العدالة...
فالمواقف التي يحتويها البلاغ تجعل من كل رافض لمشروع المخزن/الوزير مقاوما للإصلاح ومنتفعا من الفساد، كما أنه يعترف ويزكي قصور الميثاق عن الاستجابة لمطالب النقابة ورغم ذلك فهو يغض النظر عن ذلك لاعتبارات سياسية ليس إلا.
وجاءت الجملة/الموقف " وبعدما كان نتاج حوار مجتمعي شاركت فيه وبلورت مضامينه الغالبية العظمى من الفعاليات الوطنية في قطاع العدالة..."، لتضع مئات علامات الاستفهام. فهل فعلا بلورت الغالبية العظمى مضامين الميثاق؟ وان كان كذلك فلم الصراخ والإضراب ضد الإقصاء من الهيئة العليا للحوار الوطني؟ ثم ما موقع الأحزاب والقوى السياسية والمدنية التي تم إقصاؤها في جميع أطوار الحوار (تحالف اليسار الديمقراطي (حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، الحزب الاشتراكي الموحد وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي)، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حزب الأمة، النهج الديمقراطي، الطلبة، المعطلون، العدل والإحسان وحركة 20 فبراير ...)، هل كل هؤلاء مفسدون وفاسدون ومقاومون للإصلاح؟.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire