16 nov. 2013

ميثاق إصلاح العدالة: أي ميثاق لأية عدالة -3-



5_  الإجراءات التقنية لإصلاح العدالة المعطوبة: لا أحد يختلف حول الوضع المزري الذي تعيشه العدالة ببلادنا والتي أصبحت تتجه شيئا فشيئا نحو غياب أمن قضائي بالبلد بعدما فقد المواطن المغربي ثقته فيها وأخذ ينحو منحى "أخذ الحق بيده" بدل التوجه إلى جهاز يعرف مسبقا كل صغيرة وكبيرة عنه.
ومن هنا كان أي حديث عن إصلاح منظومة العدالة هو حديث عن إرجاع الثقة للمواطنين في قضائهم وفي هذا المرفق الحيوي الذي يعتبر أساس الملك المفترض فيه تطبيق القانون والحرص على مصالح الجميع: مواطنون بسطاء، مستثمرون، موظفون عمال...
وفي غياب/تغييب النقاش والمدخل السياسي والدستوري لإصلاح العدالة، اتجه الميثاق إلى بعض الأمور التدبيرية وإنتاج لغة القوانين والإمكانيات، وكأن ما يعوز المغرب والعدالة المغربية هو القانون والنصوص القانونية وليس التطبيق السليم له وتوفر الإرادة السياسية لذلك.
وقبل مناقشة مختلف مضامين الميثاق الذي يبقى لحدود الساعة تعبيرا عن إرادة وليس تنفيذا لها، ومواقف مختلف الفاعلين: سياسيين، نقابيين، مفكرين، مهنيين...، سأستعرض ما احتواه الميثاق في الجانب المتعلق بكتابة الضبط ومدى استجابته للحد الأدنى من مطالب موظفي هيئة كتابة الضبط.

-         إنشاء مفتشية عامة بوزارة العدل تتولى التفتيش المالي والإداري،
-         وضع أسس محكمة رقمية، وإحداث الملف القضائي الالكتروني،
-         إعادة النظر في شروط ولوج المهن القضائية والقانونية،
-         التحفيز المادي والمعنوي لأعضاء السلك القضائي ومساعديهم،
-         الحزم في تطبيق الجزاءات –مع مراعاة الضمانات القانونية- في حق كافة العاملين والممارسين في مجال العدالة، مع إشهار هذه الجزاءات،
-         تمكين المسؤولين القضائيين بمحاكم الاستئناف من القيام بتفتيش دوري للمحاكم التابعة لدائرة نفوذهم، وإعداد تقارير بشأن ذلك، ورفعها للمجلس الأعلى للسلطة القضائية،
-         التنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل في مجمل شؤون منظومة العدالة، ولاسيما فيما يتعلق بتعيين مسؤولي مصالح كتابة الضبط بالمحاكم، ومشاريع البنايات والتجهيز،
-         التوصيف القانوني للمخالفات، وتحديد الجزاءات المناسبة لها في إطار المساطر التأديبية،
-         إعادة التوزيع الأمثل للموارد البشرية مع مراجعة الخريطة القضائية،
-         إحداث مؤسسة قاضي التنفيذ بصلاحيات قضائية تمكن من تسريع مساطر التنفيذ،
-         اعتماد وسائل الاتصال الحديثة لضبط وتسريع إجراءات التبليغ،
-         إحداث مدرسة وطنية لكتابة الضبط،
-         تنظيم مباريات، بشروط خاصة، لاستقطاب أجود الكفاءات المهنية لولوج القضاء، مع الخضوع للتكوين بمعهد تكوين القضاة،
-         اعتماد مبدأ الزامية التكوين المستمر، واعتباره حقا وواجبا بالنسبة لجميع منتسبي مهن منظومة العدالة،
-         ربط المسار المهني بالتكوين المستمر واعتباره سبيلا للترقية، ولتولي مناصب المسؤولية بالنسبة للقضاة وموظفي هيئة كتابة الضبط،
-         اعتماد مبدأ إلزامية التكوين الأساسي للموظفين الجدد الملتحقين بهيئة كتابة الضبط،
-         وضع معايير موضوعية وشفافة لتقييم أداء موظفي هيئة كتابة الضبط ولترقيتهم،
-         اعتماد معايير موضوعية في إسناد المسؤوليات الإدارية لموظفي هيئة كتابة الضبط، في إطار الشفافية وتكافؤ الفرص، والسعي نحو المناصفة،
-         اعتماد إلزامية القيام بتدريب حول الإدارة القضائية لتولي منصب المسؤولية الإدارية،
-         تحديد اختصاصات المفتشية العامة لوزارة العدل والتحري في كل ما يتعلق بسير المصالح الإدارية والمالية للوزارة ومصالحها اللاممركزة ومصالح كتابة الضبط،
-         تحديد الإطار القانوني لهيئة كتابة الضبط، وإعادة تنظيمها وهيكلتها،
-         إحداث مسير إداري بالمحكمة، يقوم بمهام التسيير تحت إشراف المسؤولين القضائيين بها،
-         اعتماد مرجعية للوظائف والكفاءات في عمل الإدارة القضائية،
-         توسيع مجال التفويض الإداري والمالي للوحدات الإدارية اللاممركزة،
-         إعادة هيكلة المديريات الفرعية الجهوية،
-         إعادة هيكلة المراكز الجهوية للحفظ والأرشيف،
-         الرفع من مستوى البنية التحتية للمحاكم،
-         جدولة تنفيذ أهداف هذه التوصيات على مدى خمس أو ست سنوات،
-         توفير الاعتمادات المالية الضرورية لتنفيذ مشروع الإصلاح، بالموازاة مع ما يتم اتخاذه من تدابير للتنفيذ، الرامية، بالخصوص، إلى تحسين الوضعية المادية للقضاة...،
6_  الإجراءات التقنية لإصلاح العدالة المعطوبة (تابع): إن ما أتى به الميثاق فيما يخص هيئة كتابة الضبط يتضمن تناقضات تعبر عن عقلية وأهداف واضعيه،  فهو من جهة:
-          يتحدث عن التحفيز المادي والمعنوي لأعضاء السلك القضائي ومساعديهم ثم يقول توفير الاعتمادات المالية الضرورية لتنفيذ مشروع الإصلاح، بالموازاة مع ما يتم اتخاذه من تدابير للتنفيذ، الرامية، بالخصوص، الى تحسين الوضعية المادية للقضاة. فاختفى "مساعديهم" فجأة.
-         يتحدث عن استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيدية ثم يقول بتمكين المسؤولين القضائيين بمحاكم الاستئناف من القيام بتفتيش دوري للمحاكم التابعة لدائرة نفوذهم، وإعداد تقارير بشأن ذلك، ورفعها للمجلس الأعلى للسلطة القضائية،
-         يتحدث عن استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيدية ثم يقول بالتنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل في مجمل شؤون منظومة العدالة، ولاسيما فيما يتعلق بتعيين مسؤولي مصالح كتابة الضبط بالمحاكم، ومشاريع البنايات والتجهيز،
-         يتحدث عن إحداث مدرسة وطنية لكتابة الضبط، ثم يقول باعتماد مبدأ إلزامية التكوين الأساسي للموظفين الجدد الملتحقين بهيئة كتابة الضبط. فكيف سيكون الالتحاق بهيئة كتابة الضبط دون المرور بالمدرسة الوطنية؟
-         تحديد الإطار القانوني لهيئة كتابة الضبط دون الحديث عن مراجعة النظام الأساسي للهيئة،
-         توفير الاعتماد المالية الضرورية لتنفيذ مشروع الإصلاح، بالموازاة مع سياسة التقشف التي تنتهجها الحكومة.
كما أن أغلب ما جاء فيه بخصوص كتابة الضبط لا يرقى أن يكون ميثاقا لاصلاح منظومة العدالة، بل يندرج ضمن ما يمكن تسميته "ألف باء العمل"، وكان يمكن انجازه منذ عقود مضت، وكان ضمن الملفات المطلبية للنقابات كشروط العمل، البنايات، التجهيزات، هيكلة كتابة الضبط، هيكلة المديريات الفرعية...
إن البدايات الأولى لتنزيل الميثاق تبدو ضد روحه ولغته والإمكانيات التي رصدت.
-         ففي ديباجة مسودة مشروع قانون تنظيميان يتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، نجد مضامين ميثاق إصلاح منظومة العدالة يصنف قبل المبادئ والمعايير الدولية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية، كما يرهن هاته المبادئ والمعايير "بما يوافق روح دستور المملكة" ؛
-         تحدث آلية للتنسيق بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية والسلطة الحكومية المكلفة بالعدل في مجمل شؤون منظومة العدالة، تعمل تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب للمجلس والوزير المكلف بالعدل. فكيف سيتم تدبير آلية التنسيق دون تدخل القضائي في التنفيذي أو العكس.
-         تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل الإشراف الإداري والمالي على المحاكم، بما لا يتنافى ومبدأ استقلال السلطة القضائية، كما تعين مسيرا إداريا يتولى مهام التسيير والتدبير الإداري بالمحكمة تحت إشراف المسؤولين القضائيين. فهل الإشراف القضائي على مهام التسيير والتدبير بالمحكمة لا يمس بالهدف الاسمي لاستقلالية السلطة القضائية.
-         تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالعدل تدبير الوضعية المالية للقضاة، ولا سيما تنفيذ مقررات المجلس المتعلقة بالمسار المهني للقضاة بتنسيق مع المصالح المختصة للمجلس. فما المقصود إذن بالاستقلال المالي والإداري للمجلس. ثم أليس بإمكان السلطة الحكومية المكلفة بالعدل تعطيل ملفات بعض القضاة انتقاما منهم وبذلك تمس استقلالية القضاة بالضغط المالي؟.
-          كيف لمجلس نريد له الاستقلالية المالية والاستقلالية عن السلطة التنفيذية أن يكون من بين موارد ميزانيته الإعانات المالية المقدمة من لدن أي هيئة وطنية أو دولية، خاصة كانت أو عامة، المداخيل المختلفة، الهبات والوصايا.
-         يراعي المجلس كذلك التقارير التي تعدها السلطة الحكومية المكلفة بالعدل حول مستوى أداء المسؤولين القضائيين بشأن الإشراف على التسيير والتدبير الإداري للمحاكم. بعد الإشارة إلى تدخل القضائي في التنفيذي بالإشراف والتدبير نجد تدخلا معاكسا للتنفيذي في القضائي، وهو لا يعادل الكفة بقدر ما يضرب في العمق الحديث عن استقلالية القضاء، واستقلالية العمل الإداري.
-         مسودة مشروع قانون تنظيمي يتعلق بالنظام الأساسي للقضاة تضع أيضا مضامين ميثاق إصلاح منظومة العدالة قبل المبادئ والمعايير الدولية المتعلقة باستقلال السلطة القضائية، كما تربط هاته الأخيرة بما يوافق روح دستور المملكة ؛
-         كما نجد في نفس المسودة: يتولى الإشراف على التسيير والتدبير الإداري لمحكمة النقض ومختلف المحاكم كل من ...، ونجد أيضا: يحدد بنص تنظيمي التعويض المستحق للقضاة المكلفين بمهام الإشراف على التسيير والتدبير الإداري.
وفي ما يخص مطلب كتابة الضبط بولوج القضاء، ورغم استجابة المشروع للمطلب، فتبقى دون آمال وتطلعات كتاب الضبط،  حيث جاءت بصيغة "يمكن" أن تفتح مباراة الولوج إلى سلك القضاء للفئات التالية:
-          موظفي كتابة الضبط الحاصلين على شهادة الإجازة أو ما يعادلها والمنتمين إلى درجة مرتبة في سلم الأجور رقم 11 أو درجة في حكمها والذين قضوا عشر (10) سنوات  على الأقل من الخدمة العمومية الفعلية؛
فهو أولا ربط المطلب بالإمكانية، ثم بالحصول على الإجازة، ثم بسلم الأجور 11، ثم عشر سنوات من الخدمة، كما لم يحدد نسبة خاصة لهؤلاء الموظفين بعد كل هاته القيود والشروط.

لا أجد من خاتمة لهذا الجزء سوى البداية التي افتتحنا بها مداخلتنا في ايفران في موضوع تخليق منظومة العدالة والتي جاء فيها: "سئل مغربي عن أحلامه، فأجاب: قضاء نزيه، وظيفة وسكن لائق. فقيل له، يا مغربي إننا نسألك عن أحلامك وليس عن حقوقك.
فأن تتحول حقوق إنسان أو مواطني بلد بأكمله إلى أحلام، فهذا يؤكد بالملموس أن خللا كبيرا تعرفه البلاد وعلى جميع المستويات: اقتصاديا، سياسيا، اجتماعيا، قضائيا، تربويا وأخلاقيا".

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire