9 févr. 2014

قرار تجميد جمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل تحايل على القانون وتطبيق لسياسة "عفا الله عمن سرق ونهب"




اختلفت التقييمات وردود الأفعال حول القرار الأخير للمجلس الإداري لجمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل، بين مستنكر ومنسحب ومؤيد.
وحتى نكون على بصيرة وبينة من تناقضات هاته الموقف، أرى لزاما ضرورة دراسة متأنية للقانون رقم 39.09 القاضي بإحداث وتنظيم المؤسسة المحمدية  للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل، والنظام الأساسي لجمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل وكذا نظامها الداخلي،  وفي الخروقات وسوء التدبير والتسيير الذي عرفته الجمعية معززا ببيانات وتصريحات تنظيمات نقابية وزعماء نقابيين وغيرهم.
بداية وجب البحث في القانون رقم 39.09 القاضي بإحداث وتنظيم المؤسسة المحمدية  للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل، لايجاد صيغة معينة تبيح نقل ممتلكات وموارد جمعية الاعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل الى المؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل، وكذا استمرار استفادة ادارة السجون وموظفيها من خدمات الجمعية بعدما استقلت عن وزارة العدل والحريات.
المادة الأولى من القانون صريحة وتتحدث عن إحداث مؤسسة، كما أنها تخول لموظفي السجون الاستفادة رغم أن اسم المؤسسة (لقضاة وموظفي العدل) لا يعكس مضمون  هاته المادة ، حيث نجد فيها: تحدث، تحت الرئاسة الشرفية لجلالة الملك، مؤسسة لا تهدف إلى تحقيق الربح، تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي، تحمل اسم "المؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة و موظفي العدل" و يشار إليها فيما يلي باسم "المؤسسة"،  و ينخرط فيها القضاة و الموظفون التابعون لقطاعي العدل و السجون. وهو ما عززته المادة السادسة حيث جعلت كلا من  المندوب العام لإدارة السجون و إعادة الإدماج والمدير المكلف بالعمل الاجتماعي والثقافي و إعادة الإدماج بالمندوبية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج ضمن أعضاء مجلس التوجيه والمراقبة للمؤسسة، وكذا المادة 11 التي خصصت في اللجنة الادارية مقعدا  لممثل عن المندوبية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج، والماد 15 أيضا.
وفي ما يخص المادة 17 التي تتحدث عن موارد الجمعية، فهي خالية تماما من أي نقل أو استفادة من ممتلكات جمعية الاعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل، حيث نجد فيها:

في الموارد:
-   حقوق الانخراط و مبلغ الاشتراكات السنوية و المساهمات الإجبارية للأعضاء المنخرطين؛
-   عائد نسب الفوائد على الأموال المودعة لدى صندوق الإيداع و التدبير من لدن كتاب الضبط بمحاكم المملكة؛
-   الإعانات المالية السنوية التي تمنحها الدولة و المقيدة في قانون المالية؛
-   الإعانات المالية التي يمنحها كل شخص من الأشخاص الخاضعين للقانون العام أو الخاص؛
-    المداخيل المختلفة و لا سيما تلك المتأتية من ممتلكات المؤسسة؛
-   الهبات و الوصايا و العائدات المختلفة ؛
-    كل مدخول آخر يمكن أن يخصص لها بموجب النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل.
كما أن المادة 20 من نفس القانون والمتعلقة بمستخدمي الجمعية لم تشر الى مستخدمي جمعية الاعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل، حيث جاء فيها:
يتألف مستخدمو المؤسسة من:
-   أعوان يوظفون من قبلها وفقا للنظام الأساسي لمستخدميها؛
-   موظفين بالإدارات العمومية يلحقون لديها وفقا للتشريع الجاري به العمل.
وجاءت المادة 22 صريحة أيضا، وبمثابة استثاء، لتقوم بنقل مستخدمي الجمعية الى المؤسسة، وجاء فيها: 
ينقل إلى المؤسسة المحمدية للأعمال الاجتماعية لقضاة و موظفي العدل، المستخدمون العاملون بجمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة و موظفي وزارة العدل في تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ.
وكذلك بالنسبة للمادة 24 التي جاء فيها: "تنقل، بكامل الملكية إلى المؤسسة، المنقولات والعقارات التي تملكها جمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة و موظفي وزارة العدل والمخصصة في تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ للأعمال الاجتماعية".
وفي المادة 25  "تحل المؤسسة محل جمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة و موظفي وزارة العدل في حقوقها و التزاماتها المتعلقة بجميع صفقات الأشغال و التوريدات و الخدمات و جميع العقود و الاتفاقيات الأخرى المبرمة من لدن الجمعية المذكورة قبل تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ".
ويبقى السؤال المعلق، هو كيفية نقل هاته الممتلكات، وكيفية حلول المؤسسة محل الجمعي؟
المادة 26 صريحة في هذا الباب، وتتحدث عن حل جمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل: "...غير أن حل جمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة  وموظفي وزارة العدل يجب أن يتزامن مع وضع أجهزة إدارة و تسيير المؤسسة و المصادقة على نظامها الداخلي ..."
وهنا يطرح سؤالان عريضان:
-         هل القانون رقم 39.09 القاضي بإحداث وتنظيم المؤسسة المحمدية  للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل نسخ أم استثناء في ظل الظهير الشريف رقم 58.376 المؤرخ في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نونبر 1958) كما وقع تغييره وتتميمه، والذي أسست وفق مقتضياته جمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل وتخضع له؟
-         هل تم احترام مقتضيات القانون رقم 39.09 في تأسيس المؤسسة ونقل ممتلكات الجمعية إليها؟،
بالرجوع الى الفصل الأول من القانون الاساسي جمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل، نجد أنها أسست في نطاق الظهير الشريف رقم 58.376 المؤرخ في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نونبر 1958) كما وقع تغييره وتتميمه. وبتالي فهي خاضعة لمقتضياته، وخصوصا الفصل 37 الذي يقول "يباشر عند الحل التلقائي للجمعية نقل أموالها وفق ما تقرره قوانينها الاساسية أو طبق ما يتقرر في الجمع العام في حالة عدم وجود قواعد في القوانين الاساسية..."
وهو فعلا ما اشار اليه الفصل 24 من القانون الاساسي للجمعية: اذا تقرر حل الجمعية يعين المجلس الاداري لجنة للقيام بتصفية حساباتها وممتلكاتها، ويحول ما تبقى منها لصالح جمعية لها نفس الاهداف، أو المؤسسات الخيرية باستثناء الممتلكات الثايتة أو المنقولة التي حصلت عليها الجمعية من الدولة، فانها ترد اليها.
هل القانون رقم 39.09 القاضي بإحداث وتنظيم المؤسسة المحمدية  للأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل، والقانون الاساسي لجمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل، وكذا قانون الجمعيات يتحدثون عن حل الجمعية وليست هناك أية اشارة الى التجميد، كما أن التجميد وان اتفق عليه الاعضاء لا يكون بتحويل ممتلكات جمعية الى مؤسسة أخرى والذي يكون مقرونا بالحل فقط وفق منطوق القانون.
فلماذا اختارت الجمعية هذا الطريق الاستثنائي واللاقانوني في مجال كله قانون؟
الجواب قد يتضمنه الفصل 24 من القانون الأساسي، وفيه شقين:
1-    يعين المجلس الإداري لجنة للقيام بتصفية حساباتها وممتلكاتها،
2-    ويحول ما تبقى منها لصالح جمعية لها نفس الأهداف، أو المؤسسات الخيرية باستثناء الممتلكات الثابتة أو المنقولة التي حصلت عليها الجمعية من الدولة، فانها ترد اليها.
فهل اختيار هذا المنحى هو هروب من تعيين  لجنة للقيام بتصفية حساباتها وممتلكاتها، مع ما يتبع ذلك من جرد للممتلكات والحسابات؟، ام حفاظا على الممتلكات وضمان نقلها الى المؤسسة المحمدية. وهنا ايضا لا يطرح اشكال كبير الا بخصوص الممتلكات الثايتة أو المنقولة التي حصلت عليها الجمعية من الدولة. أما الباقي فهو سينقل إلى المؤسسة المحمدية مادامت لها نفس الأهداف
ان فهم السبب الحقيقي لن يتبين جليا الا بالاطلاع على تاريخ الجمعية، وعلى الاتهمات بسوء التسيير والتدبير وكذا التبذير الذي عرفته في ماليتها، والذي كان مجال اتهامات مباشرة من طرف العديد من المتدخلين سنتطرق اليهم ولو بايجاز.
يقول عبد اللطيف الغبار رئيس ودادية موظفي العدل، عضو مجلس التوجيه و المراقبة للمؤسسة المحمدية في رسالة مفتوحة إلى وزير العدل و الحريات رئيس مجلس التوجيه و المراقبة: .... جاء ليقطع مع النهج الاستبدادي الذي طبع عمل الجمعية فيما سبق والتي أنتجت كوارث في تبديد المال العام و تكريس السيبة والإفلات  من العقاب وتغييب المحاسبة....
وكان عنبر قد تقدم بشكاية للوكيل العام للملك بحكمة النقض، والتي تهم موضوع تصريح الأمين العام لحزب الاستقلال، حول تحويل أموال”جمعية الأعمال الاجتماعية لقضاة وموظفي العدل”  لجمعية غير تابعة لوزارة العدل والحريات.
وفي إحدى بياناته، اعتبر المكتب الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل أن عملية حلول المؤسسة المحمدية محل جمعية الأعمال الاجتماعية تم خارج القانون ودون إعمال آليات المراقبة والتدقيق في تفويت أموال وممتلكات الجمعية إلى المؤسسة، مثلما لم يتم حصر الالتزامات الاجتماعية المترتبة في ذمة الجمعية لتتحمل المؤسسة مسؤولية الوفاء بها.
كما أن تصريحا سابقا للكاتب الوطني لذات النقابة، أشار إلى وجود اختلاسات بالملايير في مالية الجمعية. وهو التصريح الذي لم تقم ضده أية دعوى قضائية مما يجعله في حكم المؤكد والثابت.
ولم تخل بيانات النقابة الوطنية للعدل عبر التاريخ من المطالبة بافتحاص مالية جمعية الأعمال الاجتماعية، وتجويد خدماتها التي تعتبر من أغنى الجمعيات وطنيا، مقابل خدمات هي الأضعف.
خلاصة القول أن جميع المكونات أجمعت على وجود تبديد الأموال العامة، والاختلاسات وغياب المحاسبة...، فقرار التجميد بهذا المعنى تحايل على القانون وتطبيق لسياسة "عفا الله عمن سرق ونهب".
ولكن السؤال العريض هو: لماذا اصطف دعاة محاربة الفساد والنهب والتبديد إلى جانب قرار التجميد والعفو عن الناهبين بدل التشبث بالمحاسبة، وما هو ثمن الصمت؟
بالرجوع الى الفصل العاشر من القانون الاساسي للجمعية، فالجمعية تسير بواسطة مجلس اداري يرأسه وزير العدل ويتكون من السادة:
1-    الكاتب العام لوزارة العدل
2-    مديري الادارة المركزية
3-    كاتب المجلس الاعلى للقضاء
4-    المفتش العام لوزارة العدل
5-    مدير ادارة الاعمال الاجتماعية
6-    الممثلين الرسميين للموظفين في اللجان الادارية المتساوية الاعضاء
7-    اعضاء المجلس الاعلى للقضاء
8-    اعضاء مكتب رابطة القضاة
9-    اعضاء مكتب ودادية المنتدبين القضائيين
10-                     رؤساء الاقسام بوزارة العدل
ومن غرائب وزارة القانون، أنه وبدون تعديل للقانون الأساسي، تم تعويض اعضاء مكتب ودادية المنتدبين القضائيين، بأعضاء مكتب ودادية موظفي العدل في مرحلة سيمتها الاساسية الريع النقابي والجمعوي، بل تخطى الامر ذلك الى احضارها في لجان الانتقالات، وتخصيص منحة سنوية تقدر ب 65 مليون وذلك لتغيير ملامح العمل النقابي بالقطاع.
وكما قال مهندس العمل النقابي بالقطاع ذات يوم، بأن الدولة لا تعطي الهبات وأن كل من أخذ شيئا من الدولة سيعوضه لاحقا، فقد أتى الوقت والظرف الذي يجب أن ترد فيه الودادية الدين للدولة وذلك بمشاركتها في عملية التحايل على القانون وتطبيق سياسة "عفا الله عمن سرق ونهب" ضاربة عرض الحائط كل حديثها عن الفساد والتبديد والاختلاسات.
فهي من جهة مطالبة بافتحاص مالي لماليتها التي لم ير منها الموظفون شيئا وبقيت حبيسة الاستعمالات النقابية والفوقية، ومناسبة التحايل هذه ستبرئ ذمتها المالية. وبالتالي فإرادة مسح تاريخ الاختلاسات والتبديد هي إرادة مشتركة بين الجمعية والودادية.
هذا دون الحديث عن أشياء أخرى من قبيل طي صفحة الصراع، وتقديم حسن نية بداية مرحلة جديدة وما يتبع ذلك من أمور تتم في السر ولا يمكن تقديم الدلائل عنها.

من كل ما سبق، يبقى شعار محاربة الفساد الذي ترفعه الدولة والحكومة وبعض النقابات والجمعيات، شعارا للاستهلاك الخارجي، وممارسة الفساد والتستر عنه والعفو عن المفسدين بالتحايل على القانون ممارسة يومية في ضرب تام لكل حقوق الموظف والمواطنين وحقهم في النهوض بأوضاعهم المهنية والاجتماعية، وحقهم المقدس في محاسبة ومساءلة كل المسؤولين عن الجرائم السياسية والاقتصادية.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire