8 mars 2016

المستثمر-الادارة- كاتب الضبط- المركز الجهوي للاستثمار : متاهات الحصول على الرخص الضرورية لممارسة بعض الأنشطة التجارية

لا يجادل أحد في أهمية المشاريع الاقتصادية ودورها الفعال في خلق فرص العمل والثروة. الا أن ممارسة بعض الأنشطة الاقتصادية يستلزم احترام تام للمواطن وصحته وسلامته حيث لا يعقل ان يتم افتتاح معمل مسبب للضجيج او الغبار او النفايات في أماكن مخصصة للسكن، كما لا يستساغ ممارسة مهنة طبية، محاسباتية ... من طرف أي مواطن بغض النظر عن مؤهلاته وتكوينه.
و"لكي لا يشكل أي منتوج أولي أو أي منتوج غذائي أو أية مادة معدة لتغذية الحيوانات خطرا على حياة أو صحة الإنسان والحيوان، يجب أن يتم إنتاجها و مناولتها ومعالجتها وتحويلها وتلفيفها وتوضيبها ونقلها وخزنها وتوزيعها وعرضها للبيع أو تصديرها وفق شروط النظافة الصحية والسلامة التي من شأنها الحفاظ على جودتها وضمان سلامتها الصحية. ولهذه الغاية، يجب على المؤسسات والمقاولات أن تكون مرخصة أو معتمدة، على المستوى الصحي، من طرف السلطات المختصة قبل القيام باستغلالها..."[1].

لهذا، ألزم المشرع المستثمرين (أشخاص طبيعيين أم معنويين) بالحصول على التراخيص والديبلومات الضرورية لممارسة بعض الأنشطة، حيث تنص المادة 2 (4) من قرار لوزير العدل رقم 106.97 صادر في 18 يناير 1997 بتحديد استمارات التصريح بالتقييد في السجل التجاري وتحديد قائمة العقود والأوراق المثبتة المشفوع بها التصريح المذكور على ضرورة الادلاء بصورة للإذن أو الدبلوم أو الشهادة اللازمة لمزاولة العمل المشروع فيه، عند الاقتضاء.
ويمكن تقسيم مختلف الانشطة الى:
- أنشطة مصنفة: الأنشطة المصنفة هي الأنشطة التي نظمها المشرع في قوائم خاصة موحدة لاشتراكها في نفس الغايات من تقنينها، وتتميز لذلك بوحدة المسطرة وجهة الترخيص والسند القانوني[2].
فالمحلات التي يحصل منها أسباب خطر على الصحة أو إزعاج تترتب عليها مراقبة وحراسة ولاة الإدارة[3].  وتنقسم المحلات المذكورة إلى ثلاث طبقات بحسب نوع الأعمال التي تنجز فيها أو الأضرار الحاصلة منها من الوجهة المتعلقة بالأمن والسلامة أو الصحة والراحة العمومية[4] :
_ الطبقة الأولى والثانية: لا يجوز أن تفتح المحلات المحددة من الطبقة الأولى أو الثانية لتسيير شؤونها بدون إذن بها مسبقا.[5]
_ الطبقة الثالثة: المحلات المحسوبة من الطبقة الثالثة تستلزم قبل فتحها تصريحا مكتوبا موجها لحكومة البلدية أو المراقبة المحلية الموجود المحل ضمن دائرتها.[6]
إذا كان من اللازم إحداث محلات من الطبقة الثالثة في حومة أهلية فيتوقف فتحه على رخصة خصوصية يسلمها ولاة البلدية أو الولاة المحليون بالمكان الذي ينوي إحداث المحل فيه.
وتعتبر المحلات من الطبقة الأولى من اختصاص وزارة التجهيز، بينما المحلات من الطبقتين الثانية والثالثة من اختصاص السلطات المحلية.
وابتداء من سنة 2002، تاريخ تفويض السلطة إلى ولاة الجهات[7] أصبحت تراخيص المحلات من الطبقة الأولى التي لا يتجاوز مبلغ الاستثمار فيها 200 مليون درهم من اختصاص الوالي، وبالنسبة لباقي المحلات من الطبقة الأولى من اختصاص وزير التجهيز والنقل أو من ينوب عنه.
- أنشطة غير مصنفة: الأنشطة غير المصنفة هي الأنشطة التي لم يصنفها المشرع في قوائم خاصة وموحدة لاعتبارات تتصل بشروط السماح بممارستها أو الفلسفة أو الغاية من تنظيمها، وإنما نظمتها تشريعات متفرقة يتوخى كل منها تحقيق غاية محددة أو حماية منظومة معينة أو قطاع اقتصادي أو مهني ما[8].
تتميز الأنشطة غير المصنفة بتعدد الوزارات والمصالح التي تمنح التراخيص، حيث، خلافا للأنشطة المصنفة، تمنح التراخيص من طرف مختلف الوزارات والإدارات حسب الاختصاص المرتبط بالنشاط المعني بالترخيص (التربية الوطنية، التكوين المهني، الفلاحة، النقل، الطاقة والمعادن، السياحة، المياه والغابات...).
- أنشطة غير منظمة: الأنشطة غير المنظمة مفتوحة أمام جميع التجار بكل حرية ودون قيود إلا أن رئيس المجلس الجماعي ينظم ويساهم في مراقبة الأنشطة التجارية والمهنية غير المنظمة التي من شأن مزاولتها أن تمس بالوقاية الصحية والنظافة وسلامة المرور والسكينة العمومية أو تضر بالبيئة[9]. وعليه فان مجموعة من الأنشطة غير المنظمة تحتاج ممارستها إلى ترخيص.

واذا كان كاتب الضبط المكلف بالسجل التجاري هو أول من يراقب ضرورة الادلاء بالترخيص من عدمه، بحكم دوره ومسؤولية وكذا الزامية تسجيل الممارسين للأنشطة التجارية في السجل التجاري، فانه يعتبر منطلق متاهات المستثمر لاعتبارات عديدة:
-           لا توجد لائحة تحدد جميع الأنشطة التي تتطلب ترخيصا لمزاولتها مما يطرح اختلافات بين مختلف المحاكم حسب اطلاعها على القوانين المنظمة وحسب مسايرتها لمستجدات تلك القوانين.
وفي هذا السياق، فقد اعترفت وزارة العدل والحريات بوجود الصعاب كما وعدت في رسالة دورية جاء فيها "ولتدليل الصعاب التي تعترض بعض كتاب الضبط المكلفين بمسك السجل التجاري في معرفة الأنشطة التي تتوقف على الإذن أو الترخيص من عدمه، فان الوزارة ستعمل على موافاتكم بلائحة كاملة للأنشطة المتوقفة على ترخيص"[10]، وعد لم ير النور بعد مرور أكثر من خمسة عشر سنة. وهو نفس ما ركزت عليه توصيات اليومان الدراسيان حول إشكاليات السجل التجاري بتيط مليل يومي 1 و2 فبراير 2003: "إعداد لائحة تتضمن مجموع الأنشطة والمهن التي تتوقف ممارستها على إذن أو ترخيص بتعاون مع الأمانة العامة للحكومة وباقي الجهات الإدارية المعنية"[11]، وهي التوصية التي لم ينفذ منها أي شيء لحدود الساعة.
-           التسجيل في السجل التجاري يتطلب الإدلاء بالترخيص أو الإذن المطلوب، بينما دفاتر التحملات الخاصة ببعض الإدارات والوزارات تفرض على الراغبين في الحصول على الترخيص أو الإذن  القيام بالتسجيل أولا في السجل التجاري والإدلاء بنسخة من التسجيل. وهذا ما يجعل العديد من الشركات تدور في حلقة مفرغة ويتسبب في عرقلة وتجميد مشاريع استثمارية ضخمة. فغياب الشخصية المعنوية للشركة والمرتبطة بالتسجيل في السجل التجاري يطرح إشكالية الشخص الذي يفترض فيه المطالبة بترخيص لشخص معنوي غير موجود قانونا.
-           بدل المساعدة على الحصول على التراخيص الضرورية لإنجاز المشاريع الموكولة لها قانونا، تلح بعض المراكز الجهوية للاستثمار على حذف التراخيص في ضرب تام لكل المقتضيات القانونية، حيث ترى في هاته التراخيص معرقلا للاستثمار ولأهدافها المتمثلة في تحقيق أكبر عدد ممكن من تسجيل المقاولات. وهذا ما يخلق توترات ومشاكل متعددة مع كاتب الضبط المكلف بمسك السجل التجاري الذي يسهر على تطبيق المقتضيات القانونية والتنظيمية في هذا المجال.
ويبقى المجتمع الخاسر الأكبر من العملية، حيث الوقت يلعب دورا هاما في انجاز المشاريع، كما ان غياب المعلومة الكافية والموجهة وتضارب المقتضيات القانونية أكبر معرقل للاستثمار.
 واذا كان الحل غير الرسمي وغير القانوني الذي تقترحه بعض المراكز الجهوية بتسجيل الراغبين في الاستثمار في السجل التجاري، في انتظار الحصول على الترخيص المطلوب، فان هذا الحل يطرح اشكالات عدة تتمثل اساسا في انه:
-                     حل غير رسمي وغير مؤطر بقانون مما يفتح امكانية مساءلة كاتب الضبط عن هذا  الاجراء،
-                     عندما تسجل الشركة ويتم رفض الترخيص لها لمزاولة النشاط الذي أسست لأجله، هل سيتم الاحتفاظ بها كشركة قائمة أم يتم التشطيب عليها لعدم الحصول على ترخيص، وما العمل اذا لم يحضر المسؤولون عن الشركة للقيام بالتشطيب اللازم؟
-                     وتزداد الأمور تعقيدا، حيث أن التسجيل يعطي الامكانية للشركة برهن أصلها التجاري قصد الحصول على التمويلات الضرورية لإقامة المشاريع. وفي هذه الحالة، ما فائدة شركة قائمة غير مرخص لها؟ ما هي ضمانات الدائنين؟...

ان أي حل رسمي للإشكالية، يتطلب استحضار مجموعة من المعطيات:
-                     التسجيل بالسجل التجاري هو بداية الشخصية المعنوية للمقاولة وبالتالي بداية الاعتراف بها كمخاطب للقيام بكل الاجراءات القانونية والادارية.
-                     التسجيل بالسجل التجاري هو فتح الامكانية امام الشركة للحصول على التمويلات الضرورية لا نجاز مشروعها خصوصا في حالة الاستثمارات الضخمة.
-                     النموذج 7 (مستخرج التقييدات المضمنة بالسجل التحليلي) يعكس صورة الشركة الحقيقية وبالتالي يمكن ادراج مجموعة من المعطيات في النموذج بالشكل الذي يضع المتعاملين معها على اطلاع تام بوضعية الشركة قصد اتخاذ الاحتياطات الضرورية.


[1] القانون رقم 28.07 المتعلق بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، المادة 4.
[2] د.المهدي شبو، الدليل العملي في السجل التجاري، الطبعة الأولى 2009، سلسلة الدلائل العملية في المادة التجارية 1، مطبعة النجاح الجديدة ، ص 148.
[3] ظهير شريف بتاريخ 25 غشت 1914 بتنظيم المحلات المضرة بالصحة والمحلات المزعجة والمحلات الخطرة كما تم تغييره وتتميمه، الفصل الأول.
[4] نفس المرجع، الفصل الثاني.
[5] نفس المرجع، الفصل الرابع.
[6] نفس المرجع.
[7] قرار لوزير التجهيز رقم 368.02 صادر في 20 ذي الحجة 1422 (5 مارس 2002) بتفويض السلطة إلى ولاة الجهات.
[8] د.المهدي شبو، مرجع سابق، ص 116.
[9] الميثاق الجماعي، المادة 50.
[10]  الدورية الوزارية عدد 154 / س2 بتاريخ 7 فبراير 2000.
[11]  اليومان الدراسيان حول إشكاليات السجل التجاري، توصيات عامة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire